للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في القهر والغلبة؛ على ما عرف من عادة الملوك بالأرض: أنه يسعى كل منهم في غلبة غيره وقهر آخر ويناصبه؛ كقوله: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، أي: غلب وقهر وناصب.

ويحتمل غير هذا، وهو أن يمنع كل منهم أن يكون لله الواحد بالخلق دلالة ألوهية وربوبية، وجهة الاستدلال له بذلك؛ فإذا لم يمنعوا ذلك دلّ أنه لا ألوهية لسواه، وهو الأول بعينه.

وقال بعض أهل التأويل: لعرفوا فضله ومرتبته عليهم، ولابتغوا ما يقربهم إليه، وقيل: ولابتغت الحوائج إليه، وهذا هو الذي ذكرناه بدءًا من طلب الطاعة له.

وقوله: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤٣)

نزه نفسه وبرأها عما يقول الملحدة فيه ووصفوه بالشركاء والأشباه والولد وما لا يليق به؛ فقال: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا).

ثم قال: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)

ثم يحتمل تسبيح ما ذكر وجهين:

أحدهما: جعل اللَّه - تعالى - في خلقه السماوات والأرض وما ذكر دلالة على وحدانية اللَّه وألوهيته، وشاهدة له أنه واحد لا شريك له ولا شبيه؛ فإن كان على هذا فيدخل فيه كل شيء: ذو الروح وغيره؛ فيكون قوله: (وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ): الكفرة خاصة، وأمَّا أهل الإسلام يفقهون ذلك.

والثاني: أنه جعل اللَّه في سرية هذه الأشياء ما ذكر من التسبيح والتنزيه، لكن لا نفقه نحن ذلك ولا نفهمه؛ عليّ ما أخبر: (وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ). وهي لا تعرف - أيضًا - أن ذلك تسبيح على ما جعل في الجوارح والأعضاء تسبيحًا وعبادة له، وإن كانت هي لا تعرف ذلك أنه تسبيح.

والئاك: أنه جعل صوت هذه الأشياء تسبيحًا له حقيقة على معرفة هذه الأشياء أنه تسبيح، وإن كان لا يعرف ذلك إلا خواص من الناس، وهم الأنبياء، واللَّه أعلم.

وقوْله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).

الحليم: هو ضد السفيه، والثاني: يقال حليم: ليس بعجول، أي: لا يعجل بالعقوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>