للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجائز أن يكون قولهم: إنه كذاب؛ لأنهم اعتادوا عبادة الأصنام دون اللَّه تعالى، فلما جاء موسى - عليه السلام - بما يمنعهم عن عبادة ما اعتادوا من العدد، ودعاهم إلى عبادة الواحد - قالوا: إنه كذاب، وكذلك قال أهل مكة لرسولنا وسيدنا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: إنه (سَاحِرٌ كَذَّابٌ. أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا)، سموه: كذابًا؛ لما دعاهم إلى عبادة الواحد، ومنعهم عن عبادة ما اعتادوا من العدد، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (٢٥).

قَالَ بَعْضُهُمْ: أي جاءهم بالتوحيد.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: جاءهم بالرسالة.

وكأن غير هذا أقرب، أي: فلما جاءهم بما يظهر عندهم من الحجج أنها آيات، وأنها من عندنا جاءت، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ).

أمر أتباعه أن يقتلوا أبناء من آمن منهم؛ لينزجروا بذلك عن متابعة موسى؛ لما رأى ما كان من التمويهات والحيل لم يمنعهم عن اتباعه، بل كانوا يتبعونه، فأوعدهم بقتل الأبناء كما كان يقتل الأبناء عندما قيل له: إن ذهاب ملكك بولد يولد كذا. . .، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ).

لا شك أن كيدهم في الآخرة في ضلال، ولكن أراد كأن كيدهم في الدنيا ظهر أنه ضلال؛ حيث لم يمنعهم كيده وحيله وتمويهاته عن اتباع موسى، عليه السلام.

وقوله: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (٢٦).

قال هذا؛ لما رأى أنه لم يمنعهم عن اتباع موسى ما ذكر من قتل الأبناء، قال عند ذلك: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى) وهو يحتمل وجوها:

أحدها: يحتمل أنه هم فرعون أن يقتل موسى - عليه السلام - فمنعه قومه أو الملأ من قومه عن قتله، فقال عند ذلك: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى).

والثاني: يحتمل أنه قال هذا مبتدأ من غير أن كان منهم منع إياه عن قتله، وهو كما قال ربنا - جل وعلا - لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا)، من غير أن كان من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - منع له عن ذلك، وهذا في كلام العرب موجود سائغ التكلم به على الابتداء من غير أن كان من أحد منع عما يريدون أن يفعلوا، واللَّه أعلم.

والثالث: يحتمل (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى) أي: ذروني لائمتي في قتل موسى، أي: لا تلوموني إذا أنا قتلته، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>