قال الحسن وعامة أهل التأويل: إن قوله " (فَنَسِيَ)، أي: ضيع وترك، ليس نسيان السهو؛ لأنه عوتب عليه وعوقب به، ولا يعاتب المرء على ما هو حقيقة السهو والنسيان؛ فدل أنه على التضييع والترك، ليس على النسيان والسهو، إلى هذا يذهب هَؤُلَاءِ، لكن يقبح هذا أن يقال في آدم، أو في نبي من أنبيائه، أو في رسول من رسله - صلوات الله عليهم -: إنه ضيع، والنسيان عندنا على قسمين:
نسيان يكون عن غفلة منه وشغل، ما لولا ذلك الشغل منه والغفلة، لحفظه وذكره ولا ينساه، وجائز المعاتبة على هذا النسيان؛ إذ لو كان تكلف لكان لا ينساه ولا يقع فيه.
ونسيان آخر يقع فيه من غير سبب كان منه لا يملك دفعه، وذلك نسيان ما لا يعاتب عليه ولا يعاقب به، وهكذا الكلفة من اللَّه تعالى والمحنة: أنه جائز أن يكلف ويمتحن من لا يعلم ولا يعقل الكلفة وقت تكليفه إياه بعد أن يحتمل عقله إدراك ذلك لو استعمله، فأما من كان عقله لا يحتمل إدراك ما كلفه وإن استعمله وأجهد نفسه فيه، فإنه لا يكلف ألبتَّة؛ فعلى ذلك النسيان الذي ذكر من آدم جائز أنه لو تكلف، حفظه وذكره؛ فإنما عوتب لذلك، واللَّه أعلم.