للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: ينهاكم عما ذكر كله.

(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

وتنتهون عنه، وقَالَ بَعْضُهُمْ: الموعظة هي التي تلين القلوب القاسية، وتصرفها إلى طاعة اللَّه، وقد ذكرنا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٩١)

يحتمل أمره بوفاء العهد، العهود التي يُعطي بعضهم لبعض، أمرهم بوفاء ذلك، ونهاهم عن نقضها، ويلزمهم وفاء عهد اللَّه وإن لم يعاهدوا في ذلك، لكنه ذكر وفاء العهد إذا عاهدوا وئهى عن النقض؛ لأن ترك وفاء ما عاهدوا، ونقض ما أعطوا على ذلك شرطًا أقبح وأفحش مما لم يعاهدوا، وهو كقوله: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)؛ ترك الوفاء ونقضه بعد قولهم: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا): أفحش، وأفحش من نقضه إذا لم يكن لهم عهد سابق وشرط متقدم، وهذا - واللَّه أعلم - معنى أمره بوفاء العهد إذا عاهدوا، وإن كان وفاء العهد لازمًا لهم، وإن لم يعاهدوا؛ إذ جعل اللَّه البشر بحيث يقبلون الحكمة والمحنة، وجعل بنيتهم وخلقتهم بحيث يقدرون على القيام بذلك، كقوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا. . .) الآية، أي: أبى خلقتهم وبنيتهم، أي: لم يجعل خلقة هذه الأشياء وبنيتها بحيث تحتمل ذلك، (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ)، أي خلقته وبنيته تحتمل ذلك والقيام بها، وتحتمل أن تكون العهود التي أمر بوفائها إذا عاهدوا على الأيمان التي يقيمون بها، حيث قال: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا): ذكر الأيمان ونهى عن نقضها، ثم لا يحتمل أن يكون النهي عن النقض في الأيمان التي يأثم بها المرء إذا حلف؛ لأنه نهى عن نقضها، ولو كان يأثم بعقدها لكان لا ينهى عن نقضها؛ لأن الأيمان التي ياثم بها المرء إذا حلف يؤمر بنقضها أو لا يؤمر بوفائها وحفظها، ثم ذكر فيه بعد توكيدها، ولم يسغ نقض اليمين، وإن لم يؤكدها إذا لم يكن في الوفاء بها إثم، لكنه ذكر التوكيد؛ لأن النقض بعد ذلك أفبح وأفحش من النقض على غير التوكيد؛ على ما ذكر من القبح والفحش في بعض العهود بعد ما عاهدوا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) هو حَلِفُهم باللَّه؛ لأن مشركي العرب كانوا لا

<<  <  ج: ص:  >  >>