للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمر موسى - عليه السلام - بعد معرفته أن ذلك ليس بقدح في الآيات والحجج التي أتاهم موسى - عليه السلام - أراد أن يموه ويلبس على قومه، فكل من كانت عادته وطبيعته ما ذكرنا من التمويه والتلبيس والمجادلة في دفع الآيات بلا حجة والتكبر عليها - فلا يهديه اللَّه تعالى ويطبع على قلبه، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (٣٧) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (٣٨) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (٤٠) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٤٤) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ... ).

للمشبهة تعلق بظاهر هذه الآية يقولون: لولا أن موسى - عليه السلام - كان ذكر وأخبر فرعون: أن الإله في السماء، وإلا لما أمر فرعون هامان أن يبني له ما يصعد به إلى السماء ويطلع إلى إله موسى على ما قال تعالى خبرًا عن اللعين.

لكنا نقول: لا حجة لهم؛ فإنه جائز أن يكون هذا من بعض التمويهات التي كانت منه على قومه في أمر موسى - عليه السلام - ومن بعض مكائده التي كانت منه به؛ من نحو قوله: (سَاحِرٌ كَذَّابٌ)، وقوله: (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ)، وقوله: (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ)، ونحو ذلك من التمويهات التي كانت منه؛ فعلى ذلك قوله: (ابْنِ لِي صَرْحًا. . .) و (فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) تمويه منه على قومه بموسى؛ يقول: إن موسى إنما يدعو إلى إله في السماء فهو نحو إله يكون في الأرض، يموه بذلك على الناس أمر موسى من غير أن كان من موسى ذكر، أو أخبر أن اللَّه - تعالى - في السماء على ما كان منه سائر التمويهات وإن لم يكن من موسى ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>