للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَالَ بَعْضُهُمْ من أهل التأويل: وجهوا بيوتكم ومساجدكم نحو القبلة لكن هذا بعيد؛ لأنه لا يكون بيتًا إلا ويكون جهة من جهاته إلى القبلة، فلا معنى له. والوجه فيه ما ذكرنا.

ويحتمل الأمر ببناء البيوت لقومهما بمصر وجعل البيوت قبلة وجهين:

أحدهما: الأمر بالانفصال من فرعون وقومه حتى إذا أرادوا الخروج من عندهم قدروا على ذلك ولا يكون المرور عليهم وكان ذلك الانفصال إنما كان من جهة القبلة.

والثاني: ما ذكرنا أرادوا أن يعتزلوهم حتى يتهيأ لهم الصلاة فيها، وكان لا يتهيأ لهم في بيوت فرعون.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) يحتمل البشارة في الآخرة بالجنة وأنواع النعيم ويحتمل أن يبشرهم بالملك في الدنيا والظفر على فرعون وأنواع النعم، بعدما أصابوا الشدائد من فرعون؛ كقوله: (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ).

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: قوله: (أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا) تهيآ من هيأ، أي: هيئا لهم موضعًا؛ كقوله: (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أي: هيأنا لهم مهيأ صدق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) ويحتمل قوله (زِينَةً): من أنواع ما آتاهم من الأنزال والنبات؛ كقوله: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ)، ونحوه. ويحتمل الزينة التي كانوا يتزينون بها من المركب والملبس، وما يتحلون بها من أنواع الحلي وأموال كثيرة سوى ذلك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ): قالت المعتزلة تأويل قوله: (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) أي: آتاهم لئلا يضلوا الناس عن سبيله، ولكن أضلوهم عن سبيله وقالوا هذا كما يقال ألم أقل كذا لأجل كذا، ولكن فعلت ونحوه من الكلام، ولكن عندنا هو ما ذكر: آتاهم الأموال وما ذكر ليضلوا عن سبيله؛ لأنه إذا علم منهم أنهم يضلون الناس عن سبيله آتاهم ما آتاهم ليضلوا وهو كما ذكرنا في قوله: (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا)؛ وقوله: (نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ. . .) الآية، وأمثاله فكذا هذا واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ) يحتمل هذا وجهين: يحتمل: أي: اطمس على أموالهم، واجعل في قلوبهم قساوة وغلظة تنفر الأتباع ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>