للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا فعل من لا يعلم العواقب ومن هو عابث في فعله، جل اللَّه تعالى عن مثل هذا الوصف، إلا أن يحمل على الوعد إن ثبت الخبر، أي: إن أسلم الكافر كان له ذلك المنزل في الجنة، وإن ارتد المسلم عن الإسلام، كان له ذلك المنزل في النار، وهو عالم أن عاقبة أمره ماذا: الكفر أو الإسلام؟ وأن مأواه النار أو الجنة وحكمه على ما علم وأراد، ولكن اللَّه تعالى عالم بما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون، فأخبر على ذلك، وإلا لم يصح، لما ذكرنا من المعنى، واللَّه الموفق.

ويحتمل: أنه إنما سماه: يوم التغابن؛ لأن الدنيا جعلت أسواقا، والأحوال التي تكون لهم رءوس الأموال، والأعمال التي يعملون فيها ويكتسبون تجارة؛ قال اللَّه تعالى: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، ثم قال: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. . .) الآية، وقال في آية أخرى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. . .) الآية، وقال (اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى)، وقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ)، فإذا كانت الدنيا متجرًا فالآخرة هي التي يقسم فيها الأرباح، وفي ذلك يقع الربح والخسران، ويظهر الغبن والفضل أو النقصان والزيادة، واللَّه أعلم.

أو سماه: يوم التغابن؛ لما يظهر لهم في ذلك أنهم خسروا أو ربحوا، ولا يظهر لهم ذلك في الدنيا، ثم بين العمل الذي يربح عليه، والعمل الذي يخسر به، والتجارة التي يوصل بها إلى الأرباح، والتي يلحق بها الخسران، وهو ما قال: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ. . .) الآية (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا. . .) الآية.

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا).

يعني: ومن يؤمن باللَّه على ما جاءت به الرسل جملة، وأن له الخلق والأمر، ويؤمن بالرسل والبعث - فذلك هو الإيمان باللَّه تعالى.

وقوله: (وَيَعْمَلْ صَالِحًا).

يعني: ومن يؤمن باللَّه ويعمل، في إيمانه صالحا إلى أن يموت.

وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠).

يعني: كفروا بوحدانية اللَّه تعالى وبقدرته، وكذبوا بآياته، أي: بحججه، أو كذبوا بالبعث (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

<<  <  ج: ص:  >  >>