والظن يكون في موضع الظن، ويكون في موضع العلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ (فَأَرَادَ ... (١٠٣)
يعني: فرعون.
أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ).
قال أهل التأويل: أراد أن يخرجهم، ويستخفهم (مِنَ الْأَرْضِ) أي: من أرض مصر، لكنهم قد كانوا خرجوا طائعين قبل أن يخرجهم من حيث أمر موسى بإحْراجهم، بقوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ)؛ فيكون تأويل قوله: فأراد أن يخرجهم من الأرض بالقتل والهلاك من الدنيا؛ ألا ترى أنه قال: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا)، أراد: من مشارق الأرض، وإلا قد كانوا هم قد خرجوا من أرضه على ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا).
هو ما قال في آية أخرى: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا. . .) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (١٠٤) أي: بعد هلاك فرعون لبني إسرائيل (اسْكُنُوا الْأَرْضَ).
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله (اسْكُنُوا الْأَرْضَ): أرض مصر التي كان يسكن فرعون، وهو كقوله: (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: اسكنوا الأرض: أرض الشام، والأرض المقدسة؛ كقوله: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ. . .).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (اسْكُنُوا الْأَرْضَ) ليس في أرض دون أرض، ولكن اسكنوا أي أرض شئتم، مشارقها ومغاربها، آمنين لا خوف عليكَم على ما أرادوا أن يخرجوكم من مشارق الأرض ومغاربها بالقتل كقوله: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا. . .) الآية، وهو قول ابن عباس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وعلى هذا قال في قوله: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) بعث عيسى ابن مريم (جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) أي: جَمِيعًا مجتمعين من مشارق الأرض ومغاربها على ما تفرقوا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) يعني: حياة عيسى، ونزوله من السماء (جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) أي: جميعًا بانتزاع من القرى هاهنا، وهاهنا لفوا جميعًا، وهو مثل الأوّل.
وأمّا عامة أعل التأويل فإنهم قالوا: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ): يوم القيامة (جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) أي: جميعًا أنتم وفرعون وجنوده حتى يروا كراماتكم التي أكرمتم بها ويروا هوانهم.