الرِّعَاءُ)؛ لما ذكرنا.
وقرئ: (يُصْدِرَ) بنصب الياء وبالرفع جميعًا.
فمن قرأه بالنصب فإنه يقول: حتى يصدر الرعاء بأنفسهم أي: يرجع.
ومن قرأه بالرفع، أي: حتى يصرفوا ويرجعوا أغنامهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ): تذكران - واللَّه أعلم - عذر أبيهما في التخلف عن سقي الغنم، وإرساله إياهما في ذلك دون تولي ذلك بنفسه، وقالا: ذلك لكبره وضعفه ما يتخلف عن ذلك ويرسلهما، وإلا لا معنى لذكر كبر أبيهما بلا سبب يحملهما على ذلك سوى ما ذكرنا.
وجائز أن يكون لمعنى آخر لا نعلمه.
وقوله: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) دل أن البئر التي كانت تسقى الماشية منها كانت في الشمس؛ حيث أخبر أنه سقى لهما ثم تولى إلى الظل.
وفيه أن لا بأس بأن يجلس في الظل.
وقوله: (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قيل: إن هذا منه شكاية عما أصابه من الجوع؛ لأنه ذكر أنه خرج من المصر إلى مدْين هاربًا من فرعون وقومه، غير متزود، وهو مسيرة ثماني ليال.
وفيه دلالة أن لا بأس للرجل أن يخبر ويذكر عما هو فيه من الشدة والبلاء، حيث ذكر موسى حاله التي هو فيها من الجوع الذي أصابه؛ وكذلك ما قال في آية أخرى: (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)، وذلك يرد قوال من - يقول: إن مثل هذا يخرج مخرج الشكاية عن اللَّه، ولو كانت شكاية لكان موسى لا يقول ذلك ولا يذكره.
وقوله: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥)
قوله: (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)؛ مشي من لم يعتد الخروج.
أو (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)، أي: تمشي مشي من لم يخالط الناس على، التستر والتغطية.
(قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا): (هذا يدل على أن لا بأس أن يؤخذ على المعروف الذي صنع إلى آخر أجر، والأفضل على من صنع إليه المعروف والتبرع أن