للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وانقادت له.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ): أي: أمرته وزينت له.

وقال مجاهد: أي: شجعته وأعانته، وكله يرجع إلى واحد.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وقال في آية أخرى: (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ): يحتمل وجهين:

يحتمل: أصبح تائبًا؛ لأن الندامة توبة، وذلك أن من أذنب ذنبًا فندم عليه كان ذلك منه توبة، فإن لم يكن توبة فتأويل قوله: (فَأَصْبَحَ) أي: يصبح في الآخرة من النادمين؛ وهو كقوله: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) أي: يقول في الآخرة لا أن قال له؛ فعلى ذلك قوله تعالى: (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ): أي: يصبح من النادمين في الآخرة - واللَّه أعلم - ويصبح من الخاسرين.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ... (٣١) استدل من قال بأن القصة كانت في بني آدم لصلبه: يقول: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ)؛ لأن القصة لو كانت في بني إسرائيل لم يكن ليجهل دفن الميت؛ إذ قد رأى ذلك غير مرة وعاينه؛ فدل أنه كان في أول ميت جهل السنة فيه.

وقال من قال: إنهما كانا رجلين من بني إسرائيل؛ إذ قد يجوز أن يخفى على المرء شيء علمه قبل ذلك وعاينه إذا اشتد به الخوف ونزل به الهول؛ كقوله - تعالى -: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا)، وقد كان لهم علم بذلك، لكن ذهب عنهم - واللَّه أعلم - لشدة هول ذلك اليوم، وخوفه؛ فعلى ذلك الأول، يجوز خفاء دفن الموتى بعدما علمه؛ لشدة الهول، واللَّه أعلم.

ثم اختلف فيما أخبر عن بحث الغراب في الأرض: قال الحسن - رضي اللَّه عنه -: كان الغراب يبحث التراب على ذلك الميت؛ ليرى ذلك القاتل، لا أنه كان يبحث التراب

<<  <  ج: ص:  >  >>