فيشبه أن يكون النعمة التي ذكر هو مُحَمَّد؛ لما ذكرنا أنهم كانوا في حيرة وعمى لا يجدون السبيل إلى دين اللَّه، (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا)، فذلك الإعراض الذي ذكروا، واللَّه أعلم، فبعث اللَّه محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ليدعوهم إلى دين اللَّه ويبين سبيله، فذلك منه نعمة عظيمة أعرضوا عنها وتباعدوا عنها.
ويشبه أن يكون ما قاله أهل التأويل إنه إذا وسع عليه الرزق والعيش أعرض عن الدعاء له وتباعد بجانبه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا)، أي: يائسًا من الخير ألا يعود إليه أصلا، وهكذا كانت عادتهم أنهم كانوا يخلصون الدعاء له إذا مسّهم سوء وأصابتهم شدة، ويكفرون به إذا تجلى ذلك عنهم وانكشف، كقوله:(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ. . .) الآية. (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ. . .) الآية. وأمثاله، وكان الناس كلهم فرقًا أربعة:
منهم من كان مذهبهم ما ذكرنا: أنهم كانوا يخلصون له الدعاء في حال الشدة ويكفرون في حال الرخاء.
ومنهم من كان يؤمن به في حال الرخاء والنعمة ويكفر به في حال الشدة، كقوله:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) الآية. وهم أهل النفاق.
ومنهم من يكفر به في الأحوال كلها كقوله:[ ... ].
والفرقة الرابعة هم أهل الإسلام يؤمنون به في حال الرخاء وحال الشدة في الأحوال كلها، على هذا كانوا في الأصل، وعلى هذا يجيء أن يكون قوله:(وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) من الأصنام، كقوله:(ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)، فيكون إياسهم من الأصنام التي عبدوها.
لكن أهل التأويل صرفوا إلى ما ذكرنا من الإياس عن الخير من أن يعود إليهم.
وقوله تعالى:(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (٨٤) لسنا نعلم إزاء أي سبب كان هنالك حتى قال: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)؛ إذ إنه يجوز أن يقال هذا بلا سبب كان منهم، لكن يشبه أن يكون، قال هذا على الإياس من إيمانهم لما لم يزدهم دعاؤه إياهم وكثرة تلاوة