آياته عليهم وإقامة حججه عليهم - إلا عنادًا وإنكارًا، فقال عند ذلك:(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، أي: على دينه وطريقته، كقوله:(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، وكقوله:(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) فهو كله على الإياس عن أن يؤمنوا به ويقبلوا دينه، ثم قال:(فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا)، أي: ربكم أعلم بمن منا على الهدى، ومن ليس.
أو من منا أهدى سبيلًا نحن أو أنتم؟
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الشاكلة: الحاضرة أي: على ناحيته.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: شاكلته، أي: على خليقته وطبيعته.
وقال قطرب: على طريقته، وكأن هذا أشبه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: على نيته.
وقيل: على دينه ومذهبه.
وقيل: على جديلته ومنهاجه، وكله يرجع إلى واحد.
ويشبه أن يكون: أي: كل يعمل بما هو الشبيه به وما هو يشبهه؛ لأن الشكل هو ما يشبه الشيء، يقال: هذا شكل هذا، وقوله:(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) على قول من يقول على خليقة خلق عليها؛ لأنه خلق على علم منه أنه يختارها ويؤثرها، واللَّه أعلم.
وقوله:(إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) قيل: ذاهبًا باطلًا، لا يجدي لأهله نفعًا؛ لأنه يتلاشى ولا يبقى، والحق يجدي لأهله نفعًا ويبقى، وعلى ذلك ضرب اللَّه مثل الحق بالشيء الذي يبقى، وضرب مثل الباطل بالشيء الذي لا يبقى ولا يثبت؛ فقال:(كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) وقد ذكرناه في موضعه: ضرب مثل الباطل بالزبد وهو يتلاشى، لا ينتفع به؛ فعلى ذلك الباطل، وضرب مثل الحق بالماء، وهو يبقى في الأرض، وينفع الناس، وضرب مثل الباطل -أيضًا- بالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار بقوله:(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ. . .) الآية، وضرب مثل الحق