للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المؤمنين؛ كأنه أمر رسوله أن يتواضع لهم ويرحم، وقال في الوالدين: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، وقال في المؤمنين: بعضهم لبعض فيما بينهم (رُحَمَآءُ بينَهُم)، (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، ذكر الذل فيما بينهم والرحمة، ولم يذكر في رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الذل - واللَّه أعلم - لأن الذل كأنه يرجع إلى الخضوع واستخدام بعضهم بعضا، وذلك في رسول اللَّه بعيد لا يحتمل أن يأمره بالخدمة لهم.

وجائز أن يمتحن بعضهم بخدمة بعض، واللَّه أعلم.

وقوله: (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) قالوا: إنه راجع إلى قوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وموصول به؛ كأنه قال: وأنذر عشيرتك الأقربين فإن عصوك فقل (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ).

قد كان رسول اللَّه بريئا مما كان يعمل أُولَئِكَ الكفرة، لكنه يحتمل أن يكون أُولَئِكَ لما أنذرهم رسول اللَّه، طلبوا منه أن يطيعهم في بعض أمورهم ويشاركهم في بعض أعمالهم؛ حتى يطيعوا أُولَئِكَ له في بعضًا يأمرهم ويدعوهم إليه، ويشاركونه في بعض أعماله، فقال عند ذلك: إنه بريء مما يدعونه إليه، وطلبوا منه مساعدته إياهم والإغماض عما يعملون فقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) كأنه أمنه عن شرهم وكيدهم فقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)، ولا تخف مخالفتهم إياك فيما تدعوهم إليه.

أو أمره أن يكل نفسه إليه، ويفوض جميع أموره في كل وقت فقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)، العزيز: المنتقم لأوليائه أو الشديد بأعدائه، الرحيم بأوليائه.

أو ذكر العزيز؛ لأنه به يعز من يعز وهو يرحم من يرحم، من لم يعزه هو لا يكون عزيزًا ومن لم يرحمه هو لا ينفعه ترحم غيره، والعزيز هو الذي لا يعجزه شيء.

وقوله: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) في ظلمة الليل وحدك قائمًا وجالسًا وعلى حالاتك، ويراك في تقلبك -أيضًا- في الساجدين في الصلاة مع الناس في الجماعة.

وبعضهم يقول في (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) في المصلين؛ يقول: كان يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من أمامه.

لكن هذا ليس تأويل الآية، بل كلام قاله من ذات نفسه، ولو كان ما ذكر لكان يقول: يُريك، برفع الياء لا بالنصب.

وروي في بعض الأخبار: " أنا إمامكم؛ فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام، فإني أركم خلفي كما أراكم أمامي، والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم

<<  <  ج: ص:  >  >>