للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ملك؛ فليس لهم أن ينكروا رسالة البشر.

وأصله ما قال: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا)؛ لما ذكرنا أنهم لا يعرفون الملائكة، ومَن كان من غير جوهرهم؛ فلا بدّ من أن يكون رجلًا، فكان في ذلك تلبيس عليهم على ما أخبر، واللَّه أعلم.

وقوله. عَزَّ وَجَلَّ.: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٩٦)

قَالَ بَعْضُهُمْ: كفى بما أقام اللَّه من الآيات والحجج على رسالتي وأني رسول إليكم؛ إذ كان ذلك في قول كان من أُولَئِكَ الكفرة من إنكار الرسالة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: يحتمل أن يكون على الإياس من إيمانهم كقوله: (لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا. . .)، الآية.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ.: (إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا).

يذكر هذا. واللَّه أعلم. بأنه عن علمَ بإجابتهم وردّهم. بعثه إليهم رسولًا لا عن جهل بأحوالهم، وليس فيما يعلم أنهم يردون، ولا يجيبون رسله خروج عن الحكمة؛ لأنه ليس في إجابتهم منفعة للرسل، ولا في ردهم ضرر له، وإنما المنفعة في الإجابة لهم، وفي الرد الضرر عليهم؛ لذلك لم يكن في بعث الرسل على علم منه بالرد خروجًا عن الحكمة أوفي الشاهد كان خروجًا عن الحكمة؛ لأن في الشاهد إنما يبعث الرسول لمنفعة تتأمّل وتصل إليه أو دفع ضرر عنه، فإذا علم أنه يرد رسالته، ولا يجيب، كان في بعث الرسول إليه بعد علمه بالرد خروج من الحكمة.

أو يخرج قوله: (إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) على الوعيد، وكذلك أمثاله.

وإن احتج علينا بعض المعتزلة بقوله: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى)، يقولون له: منعنا القضاء والقدر؛ إذ من قولهم: إن ما يفعل الإنسان من فعل أو معصية أو طاعة، فإنما يفعل بقضائه وتقديره؛ فيكون لهم الاحتجاج عليه بأن يقولوا: منعنا قضاؤك وتقديرك.

لكن هذا فاسد؛ لأنهم لا يفعلون هم ما يفعلون عند وقت فعلهم لأن اللَّه. تعالى - قضى ذلك وقدر، ولو جاز لهم هذا الاحتجاج لأنه كذلك قضى وقدر، فإذا كانوا هم عند أنفسهم لا يفعلون ما يفعلون؛ لأنه كذلك قضى وقدر، لم يكن لهم الاحتجاج عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>