للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعطي لمعروفه وتبرعه بدلا وأجرا، والأفضل على المتبرع وعلى صانع المعروف ألا يأخذ على ذلك بدلا، إلا أن موسى كان قد اشتدت به الحاجة؛ لذلك كان ما ذكر وأخذ لمعروفه ما ذكر بدلا، واللَّه أعلم.

وقوله: (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أي: لما جاء موسى أبا المرأتين وقص عليه قصته قال لي: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

دل قوله هذا لموسى: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ): أنه لم يكن لفرعون على ذلك المكان سلطان ولا يد؛ إذ لو كان له سلطان لكان له فيه الخوف الذي كان من قبل، ولم يكن نجا موسى منه، دل أنه لم يكن له عليهم سلطان.

وقوله: (الظَّالِمِينَ) يحتمل: المشركين؛ إذ كل مشرك ظالم.

ويحتمل (نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ): الذين يقتلون بغير حق حيث قال: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

وقوله: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قال أهل التأويل: قال أبوهما لما قالت له استأجره فإنه قوي أمين: ما قوته وأمانته؟ فقالت: أما قوته: فإنه رفع الحجر من رأس البئر وحده، وكان لا يطيقه إلا كذا كذا نفرا، ونزح الدلو من البئر وحده، وكان لا يطيق نزحه إلا كذا كذا؛ فذلك قوته.

وأمَّا أمانته: فإنه قال لي: امشي خلفي وصفي لي الطريق؛ فذلك أمانته.

ولكن قد كانت تعرف أمانته قبل ذلك لما جرى بينه وبينهما من المعاملة حين قال لهما: (مَا خَطْبُكُمَا)، وحين سقى لهما في مثل هذا تعرف أمانته في ترك النظر إليهما، وترك الاعتراض لما يوجب التهمة، واللَّه أعلم.

وقولها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) كأن أباها كان في طلب أجير قوي أمين، لكنه لا يجد ولا يظفر به؛ لذلك قالت له: (اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) إذ لا يحتمل أن يكون له ماشية وله غناء وبه حاجة إلى رعي ذلك وسقيه، وقد بلغ في نفسه من الكبر والضعف ما ذكر، يرسل ابنتيه في الرعي والسقي، ولا يستأجر الأجير ليتولى ذلك دون بناته، هذا لا يحتمل ذلك، وخاصة مع ما وصف ابنته من الحياء حيث قال: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) دل ذلك أنه كان في طلب الأجير، وإنما أرسل ابنتيه في سقي الغنم وهو مضطر إلى ذلك محتاج إليه؛ لذلك قالت له: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>