ففي هذا: أن اللَّه إنما امتحن الخلائق لا لحاجة له فيما امتحنهم من دفع مضرة أوْ جر نفع، لكن إنما امتحنهم لحاجة أنفسهم في دفع المضار وجر المنافع؛ وكذلك إنما أنشأ الدنيا وهذا العالم فيها لا لحاجة له في إنشاء ذلك، ولكن لحوائج أنفسهم، وكذلك ما أنشأ من الخلائق سوى البشر إنما أنشأ البشر وله سخر جميع ذلك، وجعل البشر بحيث يقدر على استعمال جميع ذلك لمنافع أنفسهم وحاجتهم، وهو ما ذكر في غير آي من القرآن حيث قال:(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ)، وقوله:(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، ونحو ذلك؛ فعلى ذلك امتحن هذا العالم لحاجة أنفسهم في دفع مضار وجر نفع؛ لذلك قال:(وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ) أي: لحاجة نفسه ومنفعة نفسه، لا لمنفعة أو لحاجة لله تعالى.
(إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ): هذا تفسير ما ذكر.
ثم المجاهدة تكون مرة مع الشيطان والجن، ومرة مع أعدائه من الإنس، ومرة مع هوى النفس، ومرة في أمر الدنيا، كل ذلك مجاهدة في اللَّه؛ قال اللَّه تعالى:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، واللَّه أعلم.