أي: وقد قلنا لك: إن ربك أحاط بالناس، الإحاطة بالشيء تكون بالوجوه الثلاثة: أحدها: بالغلبة والقدرة والسلطان؛ كقوله:(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) أي: أخذهم الهلاك والغلبة وقدر عليهم.
والثاني: الإحاطة: العلم به؛ كقوله:(وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) أي: عالمًا، وقوله:(وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ)، أي: لا يعلمون.
والثالث: الإحاطة المعروفة بين الخلق، من إحاطة بعضهم بعضًا، فذلك لا يحتمل في اللَّه سبحانه وتعالى - فهو على الوجهين الأولين: على إحاطة العلم بهم، أو القدرة عليهم والغلبة.
ثم قوله:(أَحَاطَ) اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ:(أَحَاطَ) بأعمالهم بما لهم، وما عليهم، وبما لا يصلح لهم وما يصلح، وهو ما ذكرنا في قوله:(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنهم كانوا يمكرون برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ يريدون إطفاء نوره، ويمنعونه عن تبليغ الرسالة؛ كقوله:(وَإِذ يَمْكُرُ بكَ الَّذِينَ كَفَرُوا. . .) الآية؛ فيقول (إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ)، أي: قد علم بمكرهم بك، على علم منه بمكرهم بك بعثك رسولًا إليهم، وكلفك على تبليغ الرسالة إليهم، لكنه وعد أن يعصمك منهم ويمنعك عنهم حتى تبلغ الرسالة؛ بقوله:(وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وقوله:(فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. . .) الآية. كان - عزَّ وجلَّ - يبعث الرسل ويكلفهم تبليغ الرسالة إليهم على علم منه بما يكون من قومهم من المنع والمكر