للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي: غائبين فائتين عنه.

ويحتمل الآيات أو مُحَمَّد أو القرآن أحق هو؟ قل: إي وربي، قل: نعم إنه لحق؛ كقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أخبر أن ما يأمرهم به ويدعوهم إليه ليس هو هزوا ولا لعبا، ولكنه حق أمر من اللَّه تعالى؛ فعلى ذلك قوله: (أَحَقٌّ هُوَ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ): هذا الحرف يحتمل أن يكون من الشاكين منهم في ذلك طلبوا منه أنه حق ذلك أو لا، ومن المعاندين استعجال العذاب الذي كان يوعدهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - استهزاء به وتكذيبًا له، ومن المتبعين له والمطيعين التصديق له والإيمان به؛ كقوله: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا) كانوا فرقًا ثلاثة: فرقة قد آمنوا به، وفرقة قد شكوا فيه، وفرقة قد كذبوه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٥٤) يخبر عنهم أنهم يفدون ويبذلون جميع ما في الأرض لو قدروا عليه عند نزول العذاب بهم لشدة العذاب، وإن كان الذي منعهم عن الإيمان هو حبهم الدنيا وبخلهم عليها وما فيها بقوله: (وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ): الندامة لا تكون إلا سرا بالقلب، فكأنه قال: حققوا الندامة في قلوبهم على ما كان منهم من التكذيب بالآيات والعناد في ردها. وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ) أي: أظهروا الندامة وهو مما يستعمل في الإظهار والإخفاء؛ كقوله: شعب: جمع، وشعب: فرق ونحوه، وبعد فإنه إذا أسر

<<  <  ج: ص:  >  >>