مقامه: مجلس الرجل يكون فيه حتى يقوم، ولكن لا ندري ما أراد بمقامه الذي ذكر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أراد سليمان أن يكون أعجل من ذلك (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) ذكر أنه كان رجلا يعلم اسم اللَّه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ). ثم اختلف في ارتداد طرفه.
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو أن يبعث رسولا إلى منتهى طرفه فلا يرجع حتى يؤتى به.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو الرجل ينظر إلى الشيء البعيد قبل أن يرجع إليه طرفه.
(فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ): قَالَ بَعْضُهُمْ: دخل في نفق الأرض، فخرج بين يدي سليمان - يعني: العرش - كأنه - واللَّه أعلم - أتاه إذ دعاه بذلك الاسم، من غير أن تكلف هو حمله أو إتيانه؛ فهذا يدل أن الآيات قد تجري على غير أيدي الرسل، لكن تكون الآية للرسول وإن كانت تجري على أيدي غيره.
ثم قال:(هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ): قَالَ بَعْضُهُمْ: واللَّه ما جعله فخرا ولا أشرا ولا بطرا، لكنه جعله شكرا وتواضعا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لما دعا ذلك الرجل بذلك الاسم فرآه مستقرا عنده، وقع في قلب سليمان شيء وخطر بباله أنى يكون رجل عنده علم ما ليس عنده من العلم، قال: فعزم اللَّه له على الخبر.
وقيل له: إنه ممن خولك اللَّه، فقال سليمان:(هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي)، يقول: ما أعطى ذلك الرجل ما لم يعطني (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ) إذا كان مثله تحت يدي. (أَمْ أَكْفُرُ)، لكن لا يحتمل أن يشكر اللَّه على ما أعطى غيره.
ثم يحتمل قوله:(هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) إتيانه أُولَئِكَ مسلمين، أو النبوة والعلم الذي آتاه اللَّه، قال: ذلك من فضل ربي، أراد: تسخير ما سخر له (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)، أي: يمتحنني أأشكر أم أكفر؟ (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ)؛ ليعلم أنه إنما يمتحن بالشكر، ويأمره به لا لمنفعة الممتحن ولكن لمنفعة المأمور به.