للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا يعذب هذه الأمة بمثل عذابهم؛ لفضل نبينا مُحَمَّد - عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات - وبركته ورحمته وهو ما قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) بفضله ورحمته أبقى هذه الأمة إلى يوم القيامة، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).

في قولهم وجوابهم: أن اللَّه خلق السماوات والأرض - دلالة أنهم قد عرفوا أنه رسول، لكن كذبوه عنادًا ومكابرة؛ لأن أهل مكة كانوا لا يؤمنون بالرسل حتى يزعموا أنا عرفنا أن اللَّه خلق السماوات والأرض بقولهم، وينكرون رسالته خاصة؛ بل ينكرون الرسل أجمع، ثم هم ما عرفوا أن اللَّه هو خلق السماوات والأرض إلا بالرسل؛ إذ هم ليسوا من الذين عادتهم الاستدلال والنظر في الدلائل؛ ليعرفوا اللَّه - تعالى - بالدلائل العقلية، والظاهر في العوام جملة المعرفة بالدلائل السمعية؛ فكان الظاهر هذا: أن معرفتهم: أن اللَّه خلق السماوات والأرض بقول الرسل - عليهم السلام - لكنهم كذبوه ولم يصدقوه عنادًا منهم ومكابرة، وما به عرفوا سائر الرسل من المعجزات موجود معاين في حق رسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لا بد أن يعرفوه رسولا، لكنهم كذبوه عنادًا؛ فدل أن قولهم هذا دليل على معرفتهم برسالته، واللَّه أعلم.

ثم تمام الاحتجاج بهذا أن يقال لهم: قد عرفتم أن اللَّه هو خلق السماوات والأرض، فهلا عرفتم أنه لم يجعلهما عبثًا باطلا؛ إذ لو كان على ما يزعمون أن لا رسل ولا بعث ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب يكون خلقه إياهما عبثًا باطلا، فكان إقرارهم بخلقه إياهما إقرارًا لخلقه على وجه الحكمة، ولن يخرج خلقه على الحكمة إلا بالإقرار بالرسل والبعث والثواب والعقاب؛ على ما عرف غير مرة.

أو أن يقال: فإذا عرفتم أن اللَّه - تعالى - هو خلق السماوات والأرض وما ذكر إلى آخره. . . فكيف أنكرتم قدرته على البعث والإعادة بعد الموت، والأعجوبة في خلق السماوات والأرض أعظم وأكثر من الأعجوبة في بعثكم وإعادتكم، فكيف أنكرتم ما هو

<<  <  ج: ص:  >  >>