للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العذاب في الآخرة، غير منقوص عنهم ذلك العذاب.

وقوله: (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) إن كان التأويل في قوله: (فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ) على الإياس من قوم علم اللَّه منهم أنهم لا يؤمنون، فيكون تأويله ما ذكر في آية أخرى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ. . .) الآية، وإن كان الثاني فهو ما ذكر في آية أخرى قوله: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ. . .) الآية.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ (١١٠) أي: التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) أي: اختلف في الكتاب، والاختلاف فيه يحتمل وجوهًا ثلاثة:

أحدها: في الإيمان به والكفر منهم، من آمن به، ومنهم من كفر.

والثاني: اختلفوا فيه: في الزيادة والنقصان، والتبديل والتحويل والتحريف؛ كقوله: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ. . .) الآية، وكقوله: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ. . .) الآية. وقوله: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) وأمثاله من الآيات.

والوجه الثالث: من الاختلاف: اختلفوا في تأويله وفي معناه بعد ما آمنوا به وقبلوه، فالاختلاف في التأويل مما احتمل كتابنا، وأمّا التبديل والتحويل والتحريف، والزيادة والنقصان فإنه لا يحتمل لما ضمن اللَّه حفظ هذا الكتاب بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقال: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ. . .) الآية وجعله ميسرًا على ألسن الناس وقلوبهم، حتى من زاد، أو نقص، أو بدل، أو حرَّف شيئًا أو قدم، أو أخَّر عرف ذلك، فهو - واللَّه أعلم - لما لا يحتمل إحكام هذا نسخها ولا شرائعه تبديلها، وأما الكتب السالفة فإنما جعل حفظها إليهم بقوله: (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) فهو - واللَّه أعلم - لما احتمل شرائعها وأحكامها نسخها وتبديلها، لذلك كان الأمر ما ذكرناه.

وقوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) ذكر هذا لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يصبره على ما اختلف فيه قومه في الكتاب الذي أنزل عليه؛ يقول: وقد اختلف فيما أنزل على من كان قبلك كما اختلف فيما أنزل عليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>