للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ)، هذه الآيات في الظاهر بعضها مخالف لبعض؛ لأنه يقول في بعضها: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ)، وفي بعضها: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ)، وفي بعضها: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) - فهو يخرج على وجوه:

أحدها: أن يكون قوله: (إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ)، و (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ)، إنما ذلك فيما بينهم يقول بعضهم لبعض: أخرجوهم، وقوله: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ) إنما قالوا ذلك للوط، فإذا كان كذلك فليس في الظاهر فيه خلاف.

والثاني: فما كان جواب قومه في مشهد وفي وقت إلا كذا، وقد كان منهم له أجوبة أخر سواها في غير ذلك المشهد وفي غير ذلك الوقت.

أو أن يكون قوله: فما كان آخر جواب قومه إلا أن قالوا: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) بنزول العذاب علينا، إنما قالوا ذلك له استهزاء وتكذيبًا.

ثم دعا لوط ربه فقال: (رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) فأجيب.

وقوله: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (٣١) يحتمل البشرى: بشارة بالولد في كبر سنه وسن زوجته ما لم يطمع من أمثالهما الولد إذا بلغوا ذلك الوقت، وهو ما ذكر: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ). ويحتمل غيره.

(قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ).

وقال في آية أخرى: (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ)، ولم يذكروا فيه بم أرسلوا؟ وبين في هذا، ثم قال إبراهيم: (إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ ... (٣٢) ففي الآية الدليل من وجهين:

أحدهما: يخرج الخطاب على العموم والمراد منه الخصوص؛ لأن الملائكة قالوا عامًّا: (إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ)، ولم يكن الأمر بإهلاك كل أهل القرية، ثم استثنوا لوطًا وأهله بعدما قال إبراهيم: (إِنَّ فِيهَا لُوطًا) حيث قالوا: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ).

والثاني: فيه جواز تأخير البيان حيث لم يبينوا إلا بعد سؤال إبراهيم إياهم.

وفيه وجه آخر في امتحان الملائكة بمختلف الأشياء؛ لأن هَؤُلَاءِ أمروا بالبشارة، وأمروا بإهلاك قوم لوط؛ ليعلم أنهم يمتحنون بمختلف الأشياء، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ): روي عن أم هانئ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في قوله: (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قال: " كانوا يحذفون أهل الأرض ويسخرون

<<  <  ج: ص:  >  >>