وقَالَ بَعْضُهُمْ:(أَنَّ الْأَرْضَ) يعني: أرض بيت المقدس (يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) وهو كذلك كان، لم يزل بها عباد اللَّه الصالحون إلى يوم القيامة.
وجائز أن يكون قوله:(أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا)[أمَّة محمد]، كقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " زُويت لي الأرضُ فأريتُ مشارقَهَا ومغاربَها وسَيبلُغ ملك أمتي ما زُوي لي منها "، فذلك وراثتها، وهم عباده الصالحون، كقوله:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ. . .) الآية؛ أخبر أنها خير الأمم، واللَّه أعلم.
وقوله:(إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (١٠٦) يحتمل قوله: (فِي هَذَا) أي: فيما ذكر من قوله: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) في ذلك (لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) أي: لقوم همتهم العبادة، أو لقوم مطيعين موحدين.
وجائز أن يكون قوله:(إِنَّ فِي هَذَا) فيما تقدم من الآيات، وهو قوله:(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا. . .)، إلى قوله:(أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)، وما ذكر من قوله:(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى. . .) إلى آخر ما ذكر - أن فيما ذكر كله (لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ).
وجائز أن يكون بلاغا للناس جميعًا، كقوله:(هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ)، فيكون قوله:(لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) أي: لقوم يلزمهم العبادة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(إِنَّ فِي هَذَا) أي: في هذا القرآن (لَبَلَاغًا) أبلغهم عن اللَّه (لِقَوْمٍ عَابِدِينَ).
وفي حرف ابن مسعود:(إن في هذا) أي: في هذا (لِقَوْمٍ عَابِدِينَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) جائز أن يكون كل رسل الله رحمة من اللَّه للعالمين، وكذلك كل كتب اللَّه رحمة للعالمين على ما ذكر في عيسى:(وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا).