كما يحتمل ذلك في الدنيا التقديم والتأخير بالشفاعة والفداء ويذكر عجزه في إنزال العذاب عليهم في قوله: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) قيل: أي العذاب إذا نزل بكم آمنتم به الآن؟! يخبر عنه أنهم إذا نزل بهم العذاب يؤمنون.
ثم يحتمل قوله: (آمَنتُم بِهِ) أي: باللَّه وبرسوله؛ كقوله: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ)، ثم أخبر أن إيمانهم لا ينفعهم عند معاينتهم العذاب؛ وهو كقوله: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)، وقوله: (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ).
ويحتمل قوله: (آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ) أي: بالعذاب؛ لأنهم يكذبون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما يوعدهم العذاب، وهم يستعجلون به استهزاء وتكذيبا، فإذا نزل بهم آمنوا أي صدقوا بذلك العذاب، يقول: (آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) استهزاء وتكذيبا أنه غير نازل بكم ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) قيل: أشركوا في ألوهيته وربوبيته وعبادته غيره.
(ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ) لأنهم يخلدون فيه، يقال ذلك بعدما أدخلوا النار.
(هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي: لا تجزون إلا بما كنتم كسبتم في الدنيا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) أي: يستخبرونك.
(أَحَقٌّ هُوَ) يحتمل هذا وجوهًا.
يحتمل قوله: (أَحَقٌّ هُوَ) العذاب الذي كان يوعدهم أنه ينزل بهم، على ما قاله عامة أهل التأويل.
ثم قال: (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) أي: قل: نعم وربي إنه لحق إنه نازل بكم.
(وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي: بفائتين عنه ولا سابقين له.
ويحتمل قوله: (أَحَقٌّ هُوَ) ما يدعوهم إليه من التوحيد؛ كقولهم لإبراهيم: (أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (٥٥) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ. . .) الآية؛ فعلى ذلك قولهم: (أَحَقٌّ هُوَ) ثم، أخبر أنه لحق بمَوله: (قُلْ إِي