للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثالث: يذكرهم ما أتاهم من الغوث عند إياسهم من أنفسهم وشرفهم على الهلاك وخروج أنفسهم من أيديهم؛ لأن العدو قد أحاطوا بهم؛ حيث قال: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)، وبلغ أمرهم وحالهم ما ذكر، حيث قال: (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ. . .) الآية.

أو أن يذكر لما كان منهم من العهد والميثاق ألا يولوا الأدبار، ولا يهربوا كقوله: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ. . .) الآية: يذكرهم عظيم نعمه التي كانت عليهم في النصر لهم على عدوهم والدفع عنهم، وحالهم ما ذكر في الآية، وذلك كان يوم الخندق تحزبوا المؤمنين في ثلاثة أمكنة يقاتلونهم من كل وجه شهرًا، فبعث اللَّه عليهم بالليل ريحًا باردة، وبعث الملائكة فغلبتهم، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا).

يذكر أنه لا عن غفلة وسهو ترككم هنالك حتى أحاط بكم العدو؛ ولكن أراد أن يمتحنكم محنة عظيمة.

أو يقول: إنه بصير عليم فيجزيكم جزاء عملكم وصبركم على ذلك، واللَّه أعلم.

وقوله: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠)

قَالَ بَعْضُهُمْ: من فوق الوادي ومن أسفل منه.

وقيل: أحاطوا بهم من النواحي جميعًا.

وجائز أن يكون ذلك كناية عن الخوف، أي: أحاطوا بهم حتى خافوا على أنفسهم الهلاك؛ وعلى ذلك يخرج قوله: (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ).

وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - قال: هذا وصف المنافقين (زَاغَتِ الْأَبْصَارُ)، أي: شخصت، (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ)؛ لشدة خوفهم، كقوله: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)، وأمثال هذا قد وصفهم في غير آي من القرآن ما وصف هاهنا، وهذا يشبه أن يكون.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هذا وصف حال المؤمنين: شخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر؛ لفا اشتد بهم الخوف؛ لما أحاطوا بهم من فوق ومن أسفل.

ثم جائز أن يكون ذلك على التمثيل، أي: كادت أن تكون هكذا.

وجائز أن يكون على التحقيق، وهي أن تزول عن أمكنتها، وبلغت ما ذكر، والله

<<  <  ج: ص:  >  >>