للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دون البعض؛ وكذلك الذي هو مجعول الراحة، والقرآن إنما جعله كذلك للكل لا لقوم دون قوم، ولو جعل كذلك لكان لا يقوم أمر معاشهم، ولا ما به يقوم أبداتهم وأنفسهم، ولكن من رحمته وفضله جعل المجعول وقتًا للراحة للكل لا لبعض دون بعض؛ وكذلك المجعول للتقلب؛ ليظفر المشترون بالباعة والباعة بالمشترين؛ ليلتئم أمر معاشهم ودنياهم.

وأما دلالة وحدانيته: ما جعل منافع أحدهما متصلة بالآخر؛ إذ لا يقوم أحدهما إلا بالآخر على اختلاف جوهرهما؛ ليعلم أن مدبرهما ومنشئهما واحد؛ إذ لو كان عددا لكان ما أراد هذه إيصاله منع الآخر، فإن لم يكن ولكن جريا على سنن واحد واتساق واحد؛ دل أنه تدبير واحد لا عدد.

ودلالة علمه وحكمته: أنهما منذ كانا، كانا على ميزان واحد، وعلى تقدير واحد من غير تغير ولا تبدل يقع فيهما؛ دل أن لمنشئهما علما ذاتتا وحكمة ذاتية، لا علما مكتسبًا مستفادًا كعلم الخلق.

وأما دلالة القدرة والسلطان: لأنهما يقهران الخلق كله من الجبابرة والفراعنة شاءوا أو أبوا، حتى إذا أراد واحد منهم أن يمنع أحدهما أو ينقص من الآخر لم يقدر عليه.

أو إن اجتمعوا جميعًا على دفعهما أو دفع أحدهما دون الآخر لم يقدروا عليه؛ دل أن لمنشئهما قدرة وسلطانا؛ إذ من قدر على إنشاء هذا لا يعجزه شيء.

ودلالة القدرة على البعث: لأنه يتلف أحدهما ويذهب به حتى لا يبقى أثره، ثم يأتي بالآخر على تقدير الأول، فمن قدر على إنشاء هذا بعد ذهاب الآخر بكليته وذهاب أثره لقادر على إنشاء الخلق بعد فنائهم وهلاكهم، وأنه لا يعجزه شيء.

ثم لما جعل هذا ما ذكرنا وخلق ما خلق من المنافع التي ذكرنا لهذا العالم خلق هذا العالم للمحنة يأمرهم وينهاهم، وجعل لهم عاقبة فيها يثاب من أطاعه ويعاقب من عصاه؛ إذ لو لم تكن عاقبة لكان خلقهم عبثًا لا حكمة فيه؛ لأن من بني بناء للفناء والنقض خاصة لا لعاقبة يتأمل نفعه كان بناؤه عبثًا غير حكمة؛ فعلى ذلك خلق الخلق لا لعاقبة تقصد عبث ليس بحكمة.

والآيات لمن آمن بها وصدق، فأما من لم يؤمن وكذب بها فهي آيات عليهم لا لهم.

وقوله: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (٨٧) اختلف في النفخ ما هو؟ وفي عدده؟ واختلف في الصور أيضًا ما هو؟ وكيف هو؟!

أما الاختلاف في النفخ: فمنهم من يقول: ليس على حقيقة النفخ، ولكن إخبار عن خفة قيام القيامة على اللَّه؛ أخبر بالنفخ عنها؛ لأنه أخف شيء على الخلق وأهونه، فأخبر به عنها، وهو ما قال: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ)، شبه أمرها بلمح

<<  <  ج: ص:  >  >>