عليه، واللصوص وأهل الريبة إذا دخلوا بيت آخر لا يسلمون عليه، لكنه إنما خافهم إذ رأى أيديهم لا تصل إليه؛ كما قال:(فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً)، عند ذلك خافهم؛ فلما رأى ذلك ظن إبراهيم أنهم ملائكة؛ إنما جاءوا لأمر عظيم؛ حيث لم يتناولوا مما قرب إليهم؛ وبين إبراهيم وبين المكان الذي يرتحل منه - مكان يقع لهم الحاجة إلى الطعام.
وقال في آية أخرى:(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ)، والحلم: هو الذي ينفي عن صاحبه كل أخلاق دنية، والعلم: هو الذي يدعو صاحبه إلى كل خلق رفيع؛ ليعلم أنه اجتمع فيه جميع الخصال الرفيعة، ونفى عنه كل خلق دنيء.
أي: أبشرتموني أن يولد لي، وأنا على الحال التي أنا عليها، أو يرد إليَّ شبابي وشباب امرأتي.
(فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) على الحال التي أنا عليها وامرأتي، أو يرد الشباب إلينا، وإلا لا يحتمل أن يخفى عليه قدرة اللَّه هبة الولد في حال الكبر، لكنه لم ير الولد يولد في تلك الحال، فاستخبرهم أنه يولد في تلك الحال، أو يرد إلى حالة أخرى حالة الشباب. واللَّه سبحانه أعلم.
أي: بما هو كائن لا محالة، أي: وعد كائن لا محالة، والواجب على كل من أنعم عليه بنعمة أن يشتغل بالشكر للمنعم، لا يستكشف عن الوجوه التي أنعم، والأحوال التي يكون عليها.
ثم في بشارة الولد بشارتان:
إحداهما: بشارة بالغلام.
والثانية: بالبقاء والبلوغ إلى وقت العلم؛ حيث قالوا:(إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ)، وهو ما قال في آية أخرى:(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا)، ففي قوله " كهلا " دلالة وبشارة: إلى أنه يبقى إلى أن يصير كهلا، وإلا الكهل يضعف.