بقولهن:(امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ)، أي: إنكن لمتنني فيه أني أراوده عن نفسه، وأنتن قطعتن أيديكن إذ رأيتنه، وأنكرتن أن يكون هذا بشرًا؛ فذلك أعظم.
أي: دعوته إلى نفسي فاستعصم؛ قيل: امتنع؛ كقوله:(لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) أي: لا مانع، ويشبه قوله: استعصم باللَّه أو بدينه أو نبوته أو بعقله، هذا يدّل على أنه لم يكن منه ما قال أهل التأويل من حَلّ السراويل ونحوه؛ حيث قالت:(فَاسْتَعْصَمَ).
يشبه أن يكون قولها: ليسجنن وليكونن في السجن من الصاغرين، أو ليسجنن وليكونن من المذَلّين الصاغرين: هو: الذليل لأنه قال لامرأته: (أَكْرِمِي مَثْوَاهُ)، فكان مكرمًا عندها معظمًا؛ فلما أبي ما راودته فقالت:(لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) أي: من الذليلين.
فيه دلالة أنه قد كان منهن من المراودة والدعاء ما كان من امرأة العزيز من المراودة والدعاء إلى نفسها؛ حيث قال:(السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)؛ ألا ترى أنه قال في موضع آخر:(مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ)، وكذلك قالت امرأة العزيز:(فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي: كنتن لمتنني فيه أني راودته عن نفسه؛ وأنتن قد راودتنّه عن نفسه.
أي: ذلك الذل والصغار أَحَبُّ إِلَيَّ، أي: آثَر عندي وأخير في الدِّين مما يدعونني إليه؛ وإن كان ما يدعونه إليه تهواه نفسه وتميل إليه وتحبه؛ فأخبر أن السجن أحبّ إليه، أي: آثر وأخير في الدِّين، إذ النفس تكره السجن وتنفر عنه، ألا ترى أنه قال:(وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)؟! فهذا يدل على أن ما قال: (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا