أي: مأمنًا، سمي آمنا، لما يأمن الخلق فيه؛ كما سمي النهار مبصرًا، والنهار لا يبصر ولكن يبصر فيه، ومثله كثير.
ثم يحتمل قوله:(اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا) قال بعض أهل التأويل: إنما طلب إبراهيم أن يجعله آمنًا على أهله وولده خاصة، لا على الناس كافة؛ إذ قد سفك فيه الدماء، وهتك فيه الحرم؛ دل أنه جعله آمنا على أهله وولده خاصة، ولكن لو كان ما ذكروا محتملا - ما يصنع بقوله:(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا. . .) الآية، وقوله:(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا)، وغيره من الآيات.
أخبر أنه جعل تلك البقعة مأمنًا للخلق يأمنون فيها.
ثم يحتمل وجهين:
أحدهما: جعله آمنًا بحق الابتلاء والامتحان، ألزم الخلق حفظ تلك البقعة عن سفك الدماء فيها، وهتك الحرم، وغير ذلك من المعاصي، وإن كانوا ضيعوا ذلك، وعملوا فيها ما لا يصلح؛ كالمساجد التي بنيت للعبادة وإقامة الخيرات - ألزم أهلها وعلى جميع الخلائق حفظها عن إدخال ما لا يصلح ولا يحل، ثم إن الناس قد ضيعوا ذلك، وعملوا فيها ما لا يليق بها ولا يصلح، فعلى ذلك الحرم الذي أخبر أنه جعله مأمنًا.