قَالَ بَعْضُهُمْ: لا تحصوها؛ أي: لا تشكروها؛ أي: لا تقدروا شكرها. وقال بعضهم: أي: لا تقدروا إحصاءها وعدها، وهكذا إن أقل الناس نعمة لو تكلف إحصاء ما أعطاه ما قدر عليه؛ من حسن الجوهر والصورة، واستقامة التركيب والبنية، وسلامة الجوارح، وغير ذلك مما لا سبيل له إلى ذكرها وإحصائها؛ إلا بعد طول التفكر والنظر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ): لا تحيطوا بكنهها ونهايتها.
الظلوم: أي: ظلم نفسه؛ حيث صرفها إلى غير الجهة التي جعلت وأمر، وأدخلها في المهالك، وألقاها في التهلكة.
كفار لنعمه؛ حيث صرف شكرها إلى غير الذي جعلها له. واللَّه أعلم.
واستدل بعض المعتزلة بقوله:(قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ) أن صاحب الكبيرة يخلد في النار؛ لأنه أوعد بترك الصلاة والزكاة التخليد أبدًا، وترك الصلاة والزكاة من غير عذر - من الكبائر، دل أنه ما ذكرناه.
فنقول نحن - وباللَّه التوفيق -: إن الآية تحتمل الأمر بإقامة الصلاة؛ وما ذكر من الزكاة والصدقة إقامة الإيمان بها؛ على ما ذكرنا من تأويل بعض المتأولين، فإن كان على هذا على إقامة الإيمان بها - فمن ترك ذلك فهو - يخلد أبدًا لا شك فيه، أو يكون من استحل تركها؛ فهو بالاستحلال يكفر؛ فهو يخلد، أو يترك لعذر؛ فهو لا يخلد على اتفاق القول. فإذا كان ما ذكرنا محتملا دل أن الآية مخصوصة.
ثم معرفة تخليد صاحب الكبيرة إنما هي بالدلائل سوى هذا، إذ ليس في ظاهر الآية دلالة التخليد؛ لما ذكرنا من احتمال الخصوص، دل أنه إنما يطلب الدليل من وجه آخر.