وقوله:(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ): فيه وجهان من الاستدلال:
أحدهما: في خلق أفعال العباد.
والثاني: في ترك الأصلح.
أمّا الاستدلال على خلق الأفعال: لأنه قال: (آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا)، وقال على أثره:(عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ)، وقال في رسول اللَّه (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ) وقال: (الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ).، ونحوه من الآيات فيما أضاف التعليم والفعل إلى نفسه، فلو لم يكن له في ذلك صنع لم يكن لإضافة ذلك إليه معنى؛ فدل أنه خلق أفعالهم منهم.
فَإِنْ قِيلَ: إنما أضاف ذلك إلى نفسه بالأسباب التي أعطاهم.
قيل: لا يحتمل ذلك؛ لأنه قد أعطى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - جميع أسباب الشعر، ولم يكن غيره من الشعراء أحق بأسباب الشعر من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ثم أخبر أنه لم يعلمه الشعر؛ دل أنه لم يرد به الأسباب، ولكن أراد ما ذكرنا.
وأما في ترك الأصلح: فهو ما ذكر من قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا)، وقال:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)، أنه إنما ذكر هذا على الامتنان والإفضال، فلو كان لا يجوز له ألا يعطيه ذلك، ولا كان له ترك ما فعل بهم من الإفضال - لم يكن لذكر ذلك له على الإفضال والامتنان معنى، ولا كان داود وسليمان يحمدانه على ما أعطاهما، ولا كان هو يستوجب الحمد بذلك؛ إذ فعل ما عليه أن يفعل؛ دل أنه إنما أعطى ذلك لهم وفعل بهم ذلك على جهة الإفضال والامتنان، وكان له ترك ما فعل، وإن كان ذلك ليس أصلح في الدِّين. فهذان الوجهان ينقضان على المعتزلة مذهبهم