للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُفهِمُ اليدان حقيقة الجارحتين، واللَّه الموفق.

وقوله: (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).

أي: هذا القرآن هو تنزيل من حكيم حميد، الحكيم: هو الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره أو في حكمه، والحميد: هو الذي لا يلحقه الذم في فعله، واللَّه الموفق.

ثم قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ) لم يخرج له جواب في هذا الموضع، ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: جوابه ما ذكر في آية أخرى بعد هذا، وهو قوله: (أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)، وقَالَ بَعْضُهُمْ: بل جوابه ها ذكر في (حم المؤمن) حيث قال اللَّه - تعالى -: (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) يعزِّي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويصبره ليصبر على ما كانوا يقولون له: إنه كذاب وإنه ساحر، وإنه مجنون، وإنه إنما يعلمه بشر، وإنه مفترٍ، وغير ذلك من أنواع الأذى، كانوا يؤذونه وكان يشتد عليه ذلك ويثقل؛ لأنه كان يدعوهم إلى ها به نجاتهم وهم كانوا يستقبلونه بما ذكر، فقال اللَّه - تعالى - له عند ذلك:

(مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ... (٤٣) من التكذيب والنسبة إلى السحر والجنون وغير ذلك، يصبره على ذلك؛ وهو كقوله تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. .،) الآية.

ويحتمل أنه إنما ذكر ذلك له؛ ليسلَّى به عن بعض ما يلحقه من الضجر والوحشة بالذي قالوا فيه؛ بما علم أنه ليس بأول مكذَّب من الرسل، ولا بأول متأذٍّ في ذات اللَّه تعالى، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ).

يقول - واللَّه أعلم -: على أن ذلك إن ربك لذو مغفرة لو تابوا، ورجعوا عن ذلك، وذو عقاب أليم لو ثبتوا وداموا على ذلك.

أو يقول - واللَّه أعلم - على الصلة لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ) أي: إنه لذو مغفرة يغفر لهم ما كان منهم من التكذيب لك والتكذيب للقرآن لو تابوا ورجعوا وصدقوا؛ وذو عقاب أليم إن لم يتوبوا وثبتوا على ذلك، واللَّه أعلم.

أو يذكر هذا، أي: ليس إليك مكافأتهم ومجازاتهم بما كان منهم، إنما ذلك إلينا إن شئت غفرت لهم إذا رجعوا عنه، وإن شئت عاقبتهم؛ وهو كقوله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. . .) الآية.

وقوله: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ... (٤٤)

وقال في آية أخرى: (وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>