وقال في موضع آخر:(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)، يذكر في هذه الآيات كلها سفه أهل مكة وشدة تعتتهم؛ يقول: لو أنزلنا عليك الكتاب جملة في قرْطاس بحيث يرون نزوله من السماء ويعاينونه، قالوا: ما هذا إلا سحر مبين.
ويقول أيضًا - واللَّه أعلم -: ولو نزلنا هذا القرآن على بعض الأعجمين بلسان، فقرأه عليهم -أي على أهل مكة- بلسان العرب بحيث يفهمون - ما كانوا به مؤمنين؛ لأن قرأءة الأعجمي إياه بلسان العرب أكبر في الآية وأعظم في الأعجوبة من قراءة العربي بلسان العربية، أي: قراءة كل أحد شيئًا بغير اللسان الذي هو لسانه أكبر في الآية وأعظم في الأعجوبة من القراءة بلسان هو لسانه. يقول: لو نزلنا على من لسانه لسان العجم والقرآن عربي، فقرأ الأعجمي ذلك على أهل مكة بلسان العرب؛ فهو أكبر أعجوبة وأعظم في الآية - لكانوا لا يؤمنون به.
فعلى ذلك يقول - واللَّه أعلم -: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا) وعاينوا نزول ذلك على مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وفهمه وأداه وقرأه عليهم بلسان العرب (لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ) يعنون القرآن (وَعَرَبِيٌّ) أي مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - يقولون: القرآن أعجمي ومحمد عربي كيف يكون؟! أي: لا يكون هذا ويكذبونه ولا يؤمنون به؛ وذلك لما ذكرنا: أن أداءه بلسان ليس ذلك لسانه وقراءته بعين ذلك اللسان، أكثر في جعله آية وأعظم في الأعجوبة؛ إذ يمكن الاختلاف من نفسه باللسان الذي هو السانه، وموهوم ذلك إذا لم يكن ذلك لسانه، يخبر عن سفههم وشدة عنادهم في تكذيبهم محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وما جاء به، والله أعلم.
وقال بعض أهل التأويل: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان أحيانا يدخل على رجل أعجمي يقال له أبو فكيهة، فقالوا: إنما يعلمه بشر فأنزل اللَّه تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا) بلسان أعجمي، لقال كفار مكة:(لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ) بالعربية، أي: بينت حتى نفقهها ونعلمها ما يقول مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولقالوا: أعجمى أنزل عليه القرآن ومُحَمَّد عربي؛ فأنزله عربيًّا ليفقهوه؛ فلا يكون لهم الاعتلال والاحتجاج.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لولا فصلت آياته حتى يفقهها، أعجمي القرآن وعربيٌّ الرجل؟! وقال أبو معاذ: يكون معنى هذا: أن اللَّه تعالى يستفهم قرآنا أعجميًّا على رجل عربي فلا