ثم قال: (يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) اختلف في قائل هذا:
قال عامة أهل التأويل: إن قائل هذا هو الذي استصرخه واستغاثه بالأمس ظن أن موسى إنما أراد بطشه وأخذه وإليه قصد؛ لذلك قال: (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ).
وقال قائلون: هذا القول إنما قال له ذلك القبطي، فإن كان هذا فهو يدل أن قتله ذلك الرجل بالأمس كان ظاهرًا، حيث علم به القبطي، وكان قوله: (عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) أي: من دخول موسى المدينة.
وإن كان هو الأول كان قتله إياه خفيًا غير ظاهر، فعلى هذا تكون الغفلة على أهل المدينة ليس على دخول موسى، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ)؛ لأن الذي يصلح بين اثنين لا يقتل ولا يأخذ أحدهما دون الآخر، ولكن يصلح بينهما على السواء الذي قال ما قال.
وقوله: (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ): قَالَ بَعْضُهُمْ: يقول هكذا فعل الجبابرة، يقتلون النفس بغير نفس.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الجبابرة تقتل النفس بغير نفس.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الجبار: هو الذي يحمل الناس على هواه وعلى ما يريده، ويقهرهم على ذلك شاءوا أو أبوا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الجبار: هو الذي يتكبر على الناس لا يرى أحدًا لنفسه نظيرًا أو كلام نحوه. ويقال: كل قاتل آخر على الغضب بغير حق فهو جبار.
وقوله: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) يحتمل أن يكون أقصى المدينة هو سكن فرعون ومقامه، فمنه جاءه ذلك الرجل.
أو أن يكون أقصى المدينة: موطن الملأ والألثراف الذين ذكر أنهم ائتمروا على قتله.
وقوله: (يَسْعَى): والسعي: هو العَدْوُ في اللغة، كأنه يسرع المشي إليه ليخبره بذلك.
وقوله: (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ).