لا لاكتساب ما ذكرنا من النعم اللذيذة الدائمة والحياة الباقية التي لا انقطاع لها، كان على ما ذكر.
ثم إذا ذكرت الدنيا ذكرت الآخرة وراءها، وإذا ذكرت الآخرة على أثر ذكر الإنسان قيل: أمامه؛ لأن الإنسان يقبل إليها؛ فيكون ذلك أمامه وقدامه؛ وأما عند ذكر الدنيا قيل: وراءها؛ لأنها تخلفها، وكل من خلف آخر يكون بعده ووراءه؛ لأنه يكون عند فوت الآخر؛ لذلك كان ما ذكر.
رجع إلى الاحتجاج عليهم لما أنكروا، يقول: يعلمون أنا خلقناهم بدءا، ونحن شددنا أسرهم، أي: قوتهم.
أو نحن: شددنا خلقتهم، ونحن وصلنا جوارحهم المتفرقة ومفاصلهم المتشتتة بعضها إلى بعض، ونحن نبدل أمثالهم إن شئنا، فما بالهم ينكرون قدرتنا على البعث والإعادة بعد الموت؟! يقول: من قدر على ما ذكر لا يعجزه شيء، وهو على البعث أقدر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) أي: هذه السورة؛ لأنه ذكر في أولها ابتداء إنشائهم وخلقهم، وآخرها إعادتهم، وفي خلال ذلك جزاء صنيعهم الذي صنعوا؛ فيكون في ذلك تذكرة لهم.
ويحتمل قوله:(إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ)، أي: الأنباء التي ذكرت في القرآن، أو هذه المواعظ تذكرة لما لهم وما عليهم، أو تذكرة لما لله عليهم، وما لبعضهم على بعض.
أحدهما: يقول: قد مكن كلا أن يتخذ سبيلاً إلى ربه، أي: لا شيء يمنعه عن اتخاذ السبيل إلى ربه إذا شاء، لكن من لم يتخذ إنما لا يتخذ؛ لأنه لم يشأ أن يتخذ سبيلا؛ وإلا قد مكن له ذلك.