هذا يدل على أنه قد كان سبق النهي عن إنزال الأضياف؛ كأنهم قد نهوه عن إنزال الأضياف؛ لذلك قالوا:(أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ).
قال أبو بكر الأصم: يخرج قولهم: (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ) مخرج الاعتذار له؛ لأنهم كانوا يعظمون الرسل - أعني: أقوام الرسل جميعًا - إذ لم يكن من الرسل، إليهم، سوى الخلاف في الدِّين والدعاء إلى دين اللَّه، فهم وإن كذبوا الحجج التي أتت بها الرسل فقد كانوا يعظمونهم؛ ألا ترى أنه قال لرسولنا صلوات اللَّه عليه:(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ. . .) الآية، والأول أشبه. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٧١) وفي موضع آخر: (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)، وقد ذكرنا في السورة التي فيها ذكر هود.
قَالَ بَعْضُهُمْ: إنما عرض عليهم نساء قومهم؛ لأنه كالأب لهم على ما ذكر أن نساء رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أمهاتهم. وقَالَ بَعْضُهُمْ: في ذكر البنات إخبار منه لهم بنهاية فحش صنيعهم؛ لأنه يجوز ورود الشرع على بناته لهم، ولا يجوز حل ذلك بحال.
قال الحسن: يقسم اللَّه بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا باللَّه، وإنما أقسم بحياة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ ولم يقسم بحياة غيره وبغيره.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (لَعَمْرُكَ) كلمة تستعملها العرب في أقسامهم؛ على غير إرادة القسم بحياة أحد. ومنهم من قال: إنما ذلك على التعريض؛ وأصله: أن اللَّه قد أقسم بأشياء: أقسم بالشمس، والقمر، والليل، والنهار، وأقسم بالجبال، والسماء، وغيرها من الأشياء التي تعظم عند الخلق، فرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وقد أخبره أنه أرسله رحمة للخلق وهدى - أولى أن يعظم بالقسم به؛ ألا ترى أنه قال:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)