للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ).

ويحتمل قوله: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ): ما نسبوه إلى السحر والكهانة والإفك وغيره، به يجادلونه؛ وهو باطل.

أو أن يكونوا عرفوا أن ما يجادلونهم به ويحاجونهم باطل، وأن ما يدعوهم إليه الرسول حق وصدق ونور، لكن يعاندونه ويجادلونه، وعندهم أنهم على باطل، كقوله: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ. . .) الآية: عرفوا أنه نور لكنهم عاندوه في المجادلة والمحاجة بالباطل، واللَّه أعلم.

وقوله: (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ).

أي: ليبطلوا به الحق.

وقوله: (وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا).

قَالَ بَعْضُهُمْ: آياته: الشمس والقمر وغيره، (وَمَا أُنْذِرُوا): ما أنذر به الرسل، هو القرآن. وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا): القرآن والحجج التي أقامها وما أمروا به غير القرآن، هي المواعيد - هزوا.

وقال أصحاب هذا التأويل: تأويل الأول باطل لا يصح، لأنه قال على أثره: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا)، يقول: هذا يدل أنه أراد بالآيات ما ذكرنا من الحجج والبراهين، لا ما ذكر.

وجائز أنهم إذا لم يعملوا بآياته ولم يستعملوها نسبهم إلى الهزء بها والسخرية، وإن لم يهزءوا بها، وهو ما سماهم: عميا وبكما وصما؛ لما لم ينتفعوا بهذه الحواس، ولم يستعملوها فيما جعلت له، وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك؛ فإذا كان فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.

ثم يحتمل مجادلتهم إياهم: ما قالوا: هذا سحر، وكهانة، وإنه إفك، وشعر، ونحوه.

أو أن يكون مجادلتهم قولهم: (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا)، وقولهم: (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا)، وأشباه ذلك من المجادلات التي كانت بينهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧)

يحتمل قوله: (ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ)، أي: وعظ بالآيات التي نزلت بمكة بمكذبي الرسل من الأمم الماضية؛ فيكون تأويله، أي: لا أحد أظلم على نفسه ممن وعظ بِآيَاتِ رَبِّهِ فأعرض عنها ما لو اتعظ بما وعظ كان به نجاته.

أو أن يكون تذكيره بآيات ربه، وهو ما أقام من حججه وبراهينه على توحيده ورسالة الرسول، فلم يقبلها ولم يصدقها، أي: لا أحد أظلم على نفسه ممن لم يتعظ بما ذكر من

<<  <  ج: ص:  >  >>