للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حقيقة؛ لأنه عمل القلب والإكراه مما لا يعمل عليه، واللَّه أعلم.

وتأويل قوله: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) أي: لا تملك أن تكرههم، وكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لشدة حرصه ورغبتة في إيمانهم كاد أن يكرههم على الإيمان إشفاقًا عليهم؛ كقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٠) قيل: بمشيئة الله. وقيل: بعلم اللَّه، وقيل: بأمر اللَّه وبإرادته وهو ما ذكرنا لا تؤمن نفس إلا بمشيئة الله وإرإدته في ذلك، ولا يحتمل قوله: (إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) سوى المشيئة والإرادة؛ لأنه كم من مأمور بالإيمان لم يؤمن، فلم يحتمل الأمر ولا يحتمل الإباحة لأنه لا يباح ترك الإيمان في حال وأصله ما ذكرنا؛ أنه لا يحتمل أن يكون اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - يعلم من خلقه اختيار عداوته والخلاف له ويشاء لهم الولاية؛ لأنه يخرج ذلك مخرج العجز؛ لأن في الشاهد من اختار عداوة أحد فالآخر يختار ولايته أنه إنما يختار لضعفه وعجز فيه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) قيل: الإثم على الذين لا يعقلون، وقيل: ويجعل العذاب على الذين لا يعقلون، أي: لا يستعملون عقولهم حتى يعقلوا، أو على الذين لا ينتفعون بعقولهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: في قوله: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا) أي: لم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها عند نزول العذاب إلا قوم يونس.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: فهلا كانت آمنت إذا رأت بأسنا، فكانت مثل قوم يونس، فإنهم آمنوا حين رأوا العذاب، وأصله ما ذكرنا أنه لا يحتمل أن يكون اللَّه تعالى يعلم من خلقه اختيار عداوته والخلاف له يسألهم ويشاء لهم الولاية؛ لأنه يخرج ذلك مخرج العجز؛ لأن في الشاهد من اختار عداوة أحد فالآخر يختار ولايته أنه إنما يختار لضعفه وعجزه فيه، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) قيل: وما كان لنفس في علم اللَّه أنها لا تؤمن فتؤمن، أي: لا تؤمن نفس في علم اللَّه أنها لا تؤمن إنما يؤمن

<<  <  ج: ص:  >  >>