للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَهُم يُوزَعُونَ) أي: يحبس أولهم على آخرهم؛ كأنه لا يدعهم أن ينتشروا ويتفرقوا، ولكن يسيرهم مجموعين على كل صنف منهم وزعهَ ترد أولهم على آخرهم، وذلك من سيرة الملوك وأمراء العساكر أن يسيروا جنودهم مجموعة غير منتشرة ولا متفرقة.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي: يساقون، ويقال: أوزعني، أي: ألهمني، والوزع: من الكف والسوق، تقول: وزع، أي: كف، ووزع، أي: ساق.

وقال مرة: (يُوزَعُونَ): يجتمعون، يقال: وزعت الإبل - أي: جمعهما - أزع وزعًا.

وقال القتبي: (يُوزَعُونَ)، أي: يدفعون، وأصل الوزع: الكف والمنع، يقال: وزعت الرجل إذا كففته، ووازع الجيش: هو الذي يكفهم عن التفرق والانتشار، وهو على ما ذكر.

وقوله: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) هذا يدل أن النمل وقتئذ لا تخالط الناس؛ حيث أضاف الوادي إليها بقوله: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ)، ولو كانت تخالط الناس كهي الآن لقال: حتى إذا أتوا على الوادي الذي فيه النمل؛ دل أنها كانت لا تخالط الناس، وكان لها مكان على حدة، واللَّه أعلم.

وقوله: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ): يخرج قوله: (قَالَتْ نَمْلَةٌ) على وجهين: على حقيقة القول من النملة كما يكون من البشر، أطلع اللَّه سليمان على ذلك، وألقاه على مسامعه؛ لطفًا منه وفضلا من بين سائر الخلائق على ما ذكرنا في قوله: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ. . .) الآية.

والثاني: أن يجعل اللَّه في سرية النمل معنى يفهم بعضها من بعض لما يريدون فيما بينهم من أنواع الحوائج على غير حقيقة القول، أطلع اللَّه سليمان على ذلك؛ حتى فهم منها ما كانت تفهم بعضها من بعض لطفًا منه وفضلا؛ وهو كقوله: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)، ليس أحد يقول لآخر إذا تصدق عليه ذلك، لكن اللَّه أخبر عما علم من ضميرهم ومرادهم من التصدق على غير حقيقة القول منهم؛ فعلى ذلك قول النملة، أخبر سليمان عما كان في سريتها فيما بينهم من غير أن كان منها نطق أو كلام يفهم منه الخلق، واللَّه أعلم.

وقالت الباطنية: ليس المراد من ذكر النمل: النملة المعروفة وقولها؛ وكذلك قالوا في

<<  <  ج: ص:  >  >>