وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ): قد ذكرنا أن البر هو الذي ما طلب منه، والذي طلب منه ما ذكر في قوله:(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ. . .) إلى قوله: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، وفي هذه الآية دلالة على ما ذكرنا أن البر إذا ذكر دون التقوى، اقتضى المعنى الذي يراد بالتقوى؛ لأنه أخبر أن البر هو الإيمان باللَّه - تعالى - واليوم الآخر، ثم ذكر أن الذي جمع بين هذه الأشياء، فهو المتقي.
ثم احتجت المعتزلة لقولهم بالتخليد في النار لمن ارتكب الكبيرة بقوله تعالى:(وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) إلى قوله: (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ)؛ لأن مرتكب الكبيرة فاجر، وقد وصف اللَّه - تعالى -: أن الفجار لفي جحيم، ولا يغيب عنها، وزعموا أنه ما لم يأت بالشرائط التي ذكر في قوله:(وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)، فهو غير داخل في قوله:(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ).
والأصل عندنا ما ذكرنا: أن كل وعيد مذكور مقابل الوعد فهو في أهل التكذيب؛ لما ذكر من التكذيب عند التفسير بقوله:(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ)، إلى قوله:(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)، وقال:(تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) إلى قوله: (فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) وإذا كان كذلك، لم يجب قطع القول بالتخليد في النار لمن ارتكب الكبيرة، بل وجب القول بالوقف فيهم.
ثم إن اللَّه - تعالى - جعل لأهل النار يوم البعث أعلاما ثلاثة، بها يعرفون، وتبين أنهم من أهل النار، لم يجعل شيئا من تلك الأعلام في أهل السعادة: