ليعمل بها في طلب مرضاة ربه - تعالى - وكذلك من كفر بعد الإسلام يتمنى سلامة جوارحه؛ ليستعملها فيما اختار من الدِّين، فإذا كان كذلك لحقت النفس حيث كانت في طاعتها ومعصيتها.
وقالت فرقة من الملحدة: إن الثواب في الآخرة لا يكون لهذه النفس التي تأكل، وتشرب، وتعمل كل ما تعمل، ولكن إنما يكون للروحاني الذي جوهرها جوهر النور، لكن هذه النفس ممتحنة في الدنيا بالأكل والشرب، مشوبة بالآفات والعيوب، فإذا صفت عن الآفات، ونزهت عن العيوب التي بها امتحنت - صارت أهلًا للثواب العظيم، ومحلًا للجزاء الجزيل، وباللَّه العصمة والنجاة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ)
أما ذوق الطعام والشراب يكون بالفم؛ ليعرف طعمه ولذته، وأما ذوق العذاب فإنما يكون بكل جارحة منه؛ ليجد ألم ذلك في جميع الجوارح، واللَّه أعلم.
والذوق في العرف جُعِلَ ليعرف الطعم، يلقب به كل شيء يعرف؛ يقال: لفلان ذوق في أمر كذا: أي بصر ومعرفة.
لا تنسخه الشمس، ولا أذى فيه؛ لأن الشمس فيها منافع للناس وأذى، وكذلك القمر فيه أذى، وإن كان فيه منافع، والظلمة كذلك فيها منافع وأذى، وأما الظل نفسه فليس فيه أذى على كل حال، فإن كان فهو للزمان، لا للظل بنفسه، فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه يدخلهم الظل الذي ليس فيه أذى الشمس، ولا أذى الظلمة، ولا أذى الزمان، ليس كظل الدنيا