للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن غير هذا كأنه أشبه بسبب نزوله وذكره، وهو يخرج على وجهين:

أحدهما: ما ذكرنا في قوله: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أنه بلغ ملكه وسلطانه ما لو صار ما ذكر من الأشجار كلها أقلاما والبحار كلها مدادا، فكتب بها أسماء خلقه وملكه وسلطانه [لنفد] ذلك كله، [ولم ينفد] خلقه ولم يبلغوا غاية ذلك.

أو ذكر هذا لهذا القرآن؛ لقول كان من الكفرة في قلته في نفسه وصغر ما كتب هو فيه أن يقولوا: كيف يسع في هذا المقدار علم الكتب السالفة المتقدمة، وهي أوقار وهو جزء؟! فيخبر - واللَّه أعلم -: أنه جمع في هذا من المعاني والعلم والحكمة ما لو فسره وبين ما أودع فيه وضمنه، ما لو جعل ما في الأرض من الشجر أقلامًا والبحار مدادًا، فكتب ما أودع فيه وضمنه - لنفدَ ذلك كله ولم ينفدْ ما جمع فيه وضمنه، هذا - والله أعلم -: يشبه أن يكون تأويله وسبب نزوله، واللَّه أعلم بذلك.

(إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

وقوله: (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)

قَالَ بَعْضُهُمْ: ذكر هذا؛ لأن نفرًا من قريش قالوا للنبي: إن اللَّه خلقنا أطوارا: نطفة، علقة، مضغة، عظما، لحمًا، ثم تزعم أنا نبعث خلقًا جديدًا في ساعة واحدة؟! فقال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ) أيها الناس جميعًا على اللَّه في القدرة إلا كبعث نفس واحدة.

(إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ)، القولهم الذي قالوه: إنا لا نبعث، (بَصِيرٌ)، بأمر الخلق والبعث.

وجائز أن يكون قال هذا، لما قد أقروا ببعث نفس واحدة لما انتهى إليهم من الأخبار عما كان في الأمم السالفة من الإحياء بعد الممات وتواترت على ذلك، من ذلك قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)، وكقولهم - حيث قالوا -: (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً. . .) الآية، وكقوله: (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ)، وقوله: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)، فكأنهم أقروا ببعث هَؤُلَاءِ لما تواترت عليهم الأخبار بذلك، وأنكروا بعث سائرهم؛ فقال: ما خلقكم ولا بعثكم جميعًا إلا كبعث نفس واحدة: إذا ثبت لواحد ففي الكل كذلك.

أو أن يذكر هذا؛ لأن الأسباب إنما تختلف في الأمور على الخلق وتعسر لخصال ثلاث: إما لعجز، أو لجهل، أو لشغل، فإذا كان اللَّه - سبحانه وتعالى - يتعالى عن أن يعجزه شيء، أو يخفى عليه شيء، أو يشغله شيء؛ فصار خلق الكل عليه وبعث الكل كخلق نفس واحدة وكبعث نفس واحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>