اختلف فيه: قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ)، أي: من دون ما عمل أُولَئِكَ الكفرة من الأعمال التي تقدم ذكرها: من قوله: (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) على ما ذكر، ثم أخبر أن لهم أعمالا دون ما ذكر.
وقال قائلون:(وَلَهُمْ أَعْمَالٌ)، يعني: المؤمنين الذين ذكر أعمالهم، أي: لهم أعمال دون الذي ذكر لهم دون تلك الأعمال.
قال أهل التأويل: ذلك في العذاب الذي أخذ أهل مكة في الدنيا من الجوع الذي نزل بهم حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة ونحوه.
لكن الأشبه أن يكون ذلك في عذاب الآخرة؛ ألا ترى أنه يقول:(إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي: يتضرعون.
ويقول أيضا:(قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ) فإنما يخبر: أن كنتم تفعلون كذا في الدنيا، ويذكر:(إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ)؛ فلا يحتمل أن يتضرعوا إليه في الدنيا، ثم لا يقبل منهم ذلك التضرع، أو ينهاهم عن التضرع بقوله:(لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ (٦٥) فدل ذلك أنه في الآخرة، وهو ما ذكر:(فَلَمَّا رَأَوا بَأْسَنَا. . .) الآية؛ مثل هذا يكون في الآخرة، وفي الدنيا ما ذكر:(وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ): ذكر في عذاب الدنيا أنهم لم يتضرعوا في الدنيا عند نزول العذاب بهم، ولا يقبل منهم التضرع والاستكانة؛ دل ذلك أنه ما ذكرنا؛ ألا ترى أنه قال:(لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ).