يقول: إن كان هذا القرآن من عند اللَّه ثم كفرتم به، وجائز أن يكون على الابتداء ليس بجواب لقوله:(أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) ويكون كأن لم يذكر جواب (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ)؛ لما عرفوا أن من عاند وعادى ما كان من عند اللَّه أنه ما يعمل بهم وما يصنع؛ وهو كقوله تعالى:(أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، يُذْكر له جواب؛ لما عرفوا أن من تريدون عبدوا دون اللَّه بعد معرفتهم أنه إفك وأنه كذب وليس بإلهٍ، أن اللَّه ماذا يفعل بهم، فلم يُذْكر لهذا جواب؛ لمعرفتهم بما يُفعل بهم؛ فعلى ذلك قوله:(قُل أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) يجوز أنْ لم يذكر له جواب؛ لما عرفوا أنه ما يفعل بهم وما يستوجبون منه بما عاندوه وعادَوْه بعد معرفتهم أنه من عند اللَّه جاء ثم كفروا به، واللَّه أعلم.
وإن كان موصولا فجوابه ما ذكر من قوله:(مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)؛ فيكون كأنه يقول - واللَّه أعلم -: أرأيتم إن كان من عند اللَّه ثم كفرتم به، فإذا كفرتم ضللتم، فمن أضل ممن هو في شقاق بعيد؟!
أي: في خلاف وبعد؛ فيكون جوابه كأنه قال: لا أحد أضل ممن عرف أنه من عند الله ثم خالفه وتباعد عنه، على ما ذكرنا في قوله:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) أي: لا أحد أظلم ممن افترى على اللَّه كذبا؛ فعلى ذلك الأول، واللَّه أعلم.
قَالَ بَعْضُهُمْ:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا) أي نريهم عذابنا الذي نزل بالأمم المتقدمة في بلاد عاد وثمود وقوم لوط، كانوا يمرون عليها ويعرفون أنه لماذا نزل بهم ذلك وتكذيبهم الرسل وعنادهم، ونريهم عذابنا أيضًا في أنفسهم ببدر حيث قتل فراعنتهم يومئذ؛ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)؛ يقول): إن القرآن هو الحق من اللَّه؛ لأن فيه الإخبار عن العذاب للذين كذبوا محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ) هو ظهور مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على البلاد والقرى