للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: المرجئة

يوشك إجماع المؤرخين والمهتمين بعلم الكلام أن ينعقد على أن ظهور المرجئة كفرقة لها قسماتها الفكرية المميزة وآراؤها العقدية المغايرة للمألوف آنذاك - قد ارتبط ارتباطًا مباشرًا بمغالاة الخوارج في تكفير مخالفيهم، والنظر إلى مرتكب الكبيرة على أنه كافر، تخرجه ذنوبه من دائرة الإيمان والإسلام جميعًا، واعتبار العمل جزءًا من إيمان صاحبه، وأن الفصل بينهما فصل بين مرتبطين ضرورة.

وعلى العكس من معتقد الخوارج، ذهبت المرجئة إلى أن الإيمان عقد بالقلب، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث ومات على ذلك، فهو مؤمن كامل الإيمان عند اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ووليٌّ لله عَزَّ وَجَلَّ، من أهل الجنة.

ولما كان الإيمان عند المرجئة غير مرتبط بعمل الجوارح قال مقاتل بن سليمان -وكان من كبار المرجئة-: لا يضر مع الإيمان سيئة جلت أو قلت أصلًا، ولا ينفع مع الشرك حسنة أصلاً.

وذهب عبد القاهر البغدادي إلى أن سبب تسميتهم بالمرجئة من الإرجاء بمعنى التأخير؛ لأنهم أخروا العمل عن الإيمان، بيد أن الراجح لدينا فيما يتصل بأمر التسمية، أنهم سموا بذلك؛ لأنهم يرجئون الحكم على صاحب الكبيرة إلى يوم الدِّين، ويفوضون أمره إلى ربه.

ونحسب أن هذا الرأي يستقيم مع الملابسات التاريخية التي واكبت نشأة المرجئة في المجتمع الإسلامي، فهم قد ظهروا في عصر غلبت عليه نزعة تكفير الخصوم، أو على أقل تقدير نسبتهم إلى الفسوق والعصيان والمخالفة عن أوامر اللَّه، أما الخوارج فيكفرون عثمان وعليًّا والقائلين بالتحكيم، وثمة من الشيعة من يكفر أبا بكر وعمر وعثمان، والفريقان جميعًا -الشيعة والخوارج- يكفرون الأمويين ويعدونهم مغتصبين للخلافة،

<<  <  ج: ص:  >  >>