للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (اخْسَئُوا)، أي: ابعدوا فيها.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: يقال: خسأت فلانا، وأخسأت، أي: باعدته؛ فخسأ، أي: تباعد.

وقوله: (وَلَا تُكَلِّمُونِ).

يحتمل الوجهين:

أحدهما: جائز أن يكون هذا السؤال منهم في أول ما أدخلوا، فقال لهم: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) فإنكم ماكثون، أو أن يكون هذا السؤال منهم بعد ما سألوا الملك الموت مرة بقوله: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ. . .) الآية، وسألوا مرة تخفيف العذاب بقوله: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ)، فلما أيسوا منه فعند ذلك يسألون ربهم إخراجهم والإعادة إلى المحنة؛ فقال: (اخْسَئُوا فِيهَا)، أي: ابعدوا فيها ولا تكلمون، أي: يصيرون بحال لا يقدرون على الكلام؛ لشدة العذاب؛ فعند ذلك يكون منهم الشهيق والزفير.

وقوله: (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠)

يخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أُولَئِكَ الكفرة الذين يسألون الإخراج من النار أنكم قد اتخذتم فريقًا من عبادي آمنوا سخريا، وكنتم منهم تضحكون؛ يذكر هذا لهم - واللَّه أعلم - ليكون ذلك حسرة ونكاية.

وقوله (سِخْرِيًّا) اختلف في قراءته: فقرئ، بكسر السين فهو من الاستهزاء والهزء.

وقال الكسائي: بالرفع والكسر جميعًا، من الاستهزاء، ولا يقال في العبودة إلا برفع السين، وقَالَ بَعْضُهُمْ: هما سواء.

وقوله: (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي)، قَالَ بَعْضُهُمْ: حتى أنساكم الهزء بهم عن العمل بطاعتي.

وقيل: أضاف الإنساء إلى الذكر؛ لأنهم كانوا عندما يذكرهم ويدعوهم إلى ذكر الله يهزءون به؛ فأضاف إليه ذلك؛ فكان كإضافة الرجس إلى السورة؛ لأن ذلك إنما يزداد لهم عند تلاوة السورة؛ فأضيف ذلك إلى السورة، وإلا كانت السورة لا تزيد رجسًا؛ فعلى ذلك أضاف الإنساء إلى ذكره؛ لما عند ذكره ودعائهم إليه يحملهم إلى ذلك، واللَّه أعلم، فأضيف إليه.

وقوله: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (١١١)

<<  <  ج: ص:  >  >>