للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعاقبهم، (إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) أي: أنفاسهم يتنفسون في الدنيا، فهي معدودة تنقضي آجالهم عن قريب، فلا تكافئهم على ذاك وما يستقبلونك بالمكروه والسوء.

ثم وجه ما ذكر من إرسال الشياطين عليهم والتمكين لهم من الوسوسة في الصدور، أعني: صدور المؤمنين، والنزغ في روعهم من غير أن يملكوا القهر والقسر على ذلك، وما جعلهم بمحل لا نراهم نحن، وهم يروننا، على ما أخبر (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)، فهو - واللَّه أعلم - أن من علم بحضرته وقربه عدوا له يراقبه ويطلب الفرصة عليه يكون أحذر وأهيب له ممن لا يعلم ذلك ولا كان بقربه وحضرته عدو، وعلى ذلك ما جعل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - من الحفظة والكرام الكاتبين - صلوات الله عليهم - على بني آدم، رقباء عليهم في قليل ما يفعلون ويتفوهون وكثيره، وإن كان قادرًا على حفظ ذلك عليهم والتذكير لهم واحدًا بعد واحد، شيئًا على إثر شيء، وذلك لما ذكرنا أن من علم أن عليه رقيبًا يراقبه ويكتب عليه كل قليل وكثير كان أحذر وأهيب ممن لم يعلم ذلك على نفسه رقيبًا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥) أي: الذين اتقوا مخالفة أمر اللَّه في كل ما لا يغلب عليهم؛ لأن المؤمن لا يرتكب المعصية إلا لغلبة شهوة، أو لغلبة رجاء إلى مغفرة ربه ونحوه، أو توبة يضمرها بعد ارتكابها، وعلى هذا يكون ارتكاب المؤمن مخالفة ربه.

وقوله: (إلَى الرَّحْمَنِ) أي: إلى ما وعد لهم الرحمن من الثواب.

وقوله: (وَفْدًا) الوفد في الشاهد: هم أهل الكرامة والمنزلة يبعثون لأمور، فكأنه قال: إن المتقين يحشرون وهم مكرمون معظمون، ولهم منزلة عند اللَّه وقدر، والله أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (٨٦) الوارد: هو طالب الماء، والورد الجمع، فكأنه قال: ونسوق المجرمين إلى جهنم عطاشًا طلاب الماء، على ما قاله أهل التأويل.

والمجرم، قال أبو بكر الأصم: هو الوثاب في المعصية، وأصل الإجرام: الاكتساب؛ ولهذا قال بعض الئاس في قوله: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ)، أي: يكسبنكم، وأصله هو كسب الإثم.

وقوله: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ) فيه أنهم إنما يساقون على كره منهم؛ إذ ذكر في الكافرين السوق وذكر في المؤمنين الجمع والحشر.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ ... (٨٧)

الشفاعة، إنما تكون فيمن استوجب

<<  <  ج: ص:  >  >>