ظهر له منهم زلة وجناية حين طلبوا منه إرساله ولده يويسف - عليه السلام - في الرعي؛ بل قال هنالك:(إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ)، إنما اعتل عليهم واحتج بأكل الذئب ولم يتهمهم فيه بما لم يكن ظهر له منهم زلة وجناية، فلما ظهر ذلك منهم اتهمهم، وأخبر أنه لا يأمن عليهم بما ظهر له من زلتهم؛ فدل أن التهمة سبب الردّ، وأنه يجب التثبت بدفع الجهالة من حيث الظاهر، لا للحقيقة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) أي: نادمين بما فعلوا على خلاف ما كان في الظاهر، ويندمون لما تركوا التثبت في الخبر.
من الناس من احتج بهذه الآية على أن الإجماع ليس بحجة، وقالوا: لو كان لإجماعهم حجة، لكان لا يأثمون لو أطاعهم في كثير من الأمر؛ لأن الحق والصواب مما لا يوجب الإثم لصاحبه فيمن تبعه في ذلك الصواب، ولكن إن كان لا يوجب الثواب دل أنه ليس بحجة يجب اتباعه.
ولكن هذا فاسد؛ لأن الحجج والبراهين لم تكن انتهت يومئذ غايتها، ولا أتت على نهايتها، فالإجماع الذي هو إجماع حجة عندنا ويجب اتباعه والانقياد له هو إجماع من استوعب الحجج والبراهين، وأتى على عامتها، أو على الجميع، وكان الوقت وقت نزول الوحي، وإنما تستقر الأحكام بوفاة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما ينقطع الوحي؛ فيستدل على استيعاب الحجج ونزول جميع ما يحتاج الناس إليه من حيث الإيداع في النصوص، فمتى اجتمعوا على ذلك يكون حجة، ولأنه لا إجماع يتحقق دون رأي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وإذا وجد رأيه استغنى عن رأي الغير؛ لما كان ينطق عن الوحي، فإذا لم يكن وقت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - زمان انعقاد الإجماع حجة فبطل استدلالهم بالآية.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) أرسل إليكم ليزيل عنكم إشكالكم وشبهاتكم، فلا عذر لكم في الكفر واعتراض الشبه لكم بما تقدرون أن تسألوه ما أشكل عليكم واشتبه، فيخبركم بذلك فيزيل الشبه عنكم.
والثاني: يحتمل: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) يطلع اللَّه - تعالى - إياه على ما تضمرون في أنفسكم، وما تولدون من الأخبار التي لا أصل لها ولا أثر ما لو أظهر ذلك لافتضحهم، وهو صلة ما ذكر من قوله:(إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)، واللَّه أعلم.
ويحتمل: أي: فيكم رسول اللَّه تسألونه ما أشكل عليكم، فيخبركم بالحق والأمر على