للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنزول، ويحتمل أن يكون المراد بالرحمة صفته، فيكون تأويله: إن منفعة رحمة الله قريب من المحسنين.

وقال الحسن: إن رحمة اللَّه - وهي الجنة - قريب من الخائفين.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: في قوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ) أي: إجابة اللَّه قريب إلى من استجاب دعاءه، ويحتمل ما ذكرنا من منفعة رحمة اللَّه قريب إلى من ذكر.

ثم المحسنين يحتمل المحسنين إلى أنفسهم، أو المحسنين إلى خلقه، أو المحسنين إلى نعم اللَّه، أي: أحسنوا صحبة نعمه، والقيام لشكرها، واجتناب الكفران بها. أو يريد الموحدين.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ... (٥٧)

يذكرهم عَزَّ وَجَلَّ في هذا حكمته وقدرته ونعمه؛ ليحتج بها عليهم بالبعث، أما حكمته فبما يرسل الرياح والأمطار، ويسوقها إلى المكان الذي يريد أن يمطر فيه ما لم يعاينوا ذلك وشاهدوه ما عرفوا، أنْ كيف يرسل المطر من السماء، وكيف يرسل الريح، ويسوق السحاب، ففي ذلك تذكير حكمته إياهم. وأما نعمه: فهو ما يسوق السحاب بالريح إلى المكان الذي فيه حاجة إلى المطر، فيرسل على ذلك المكان المطر، وذلك من عظيم نعمه؛ ليعلم أن ذلك كان برحمته، لا أنهم كانوا مستوجبين لذلك.

وأما ما ذكرهم من قدرته: فهو ما ذكر من إحياء الأرض بعد ما كان ميتة؛ ليعلم أن الذي قدر على إحياء الأرض، وإخراج النبات والثمر بعدما كان ميتًا، لقادر على إحياء الموتى وبعثهم بعد موتهم، على ما قدر على إحياء الأرض بالنبات وإحياء النخل بالثمار بعدما كان علم كل أن لا نبات فيها ولا ثمار فيه؛ فإذا خرج النبات منها والثمار من النخيل على ما خرج في العام الأول، دل ذلك على وحدانيته وقدرته على إحياء الموتى وبعثهم بعدما ماتوا وصاروا ترابًا على قدر ما ذكرنا، واللَّه أعلم.

وفي قوله: (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) دلالة ألا تفهم من اليدين الجارحتين على ما يفهم من الخلق، كما لم يفهم أحد بذكر اليد في المطر الجارحة؛ لأنه لا جارحة له؛ فعلى ذلك لا يفهم من ذكر اليد له الجارحة من قوله: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) وكذلك قوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)، لم يفهم من قوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) الجارحة للقرآن، فعلى ذلك لا يفهم مما ذكر، من يديه

<<  <  ج: ص:  >  >>