للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثالث: إظهار الحاجة إليه، والمؤمن أبدا يكون مظهرًا للحاجة إلى اللَّه - تعالى - في كل وقت وكل ساعة، واللَّه أعلم.

والرابع: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) أي: لا أشتغل بشيء في أمري أصيره إلى اللَّه، تعالى.

وعلى قول المعتزلة لا يصح تفويض الأمر إلى اللَّه تعالى؛ لأنهم يقولون: إن عليه أن يعطيه جميع ما يحتاج إليه المكلف حتى لا يبقى عنده مزيد، وإذا لم يبق عنده شيء، فليس لتفويض الأمر إليه معنى، واللَّه الموفق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥)

دل هذا على أنهم قد قصدوا قصد المكر به؛ حيث أخبر أنه وقاه سيئات ما مكروا، فجائز أن هموا به قتله، ويحتمل غيره.

ثم يحتمل ما وقاه عن مكرهم بما وقى موسى - عليه السلام - لما أهلكهم وأنجاه من شرهم.

ويحتمل توجيه آخر لا نفسره؛ لأنا لا نحتاج إليه، وإنَّمَا حاجاتنا إلى أن نعلم أنه كان بذل نفسه لله تعالى وحفظه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ).

استدل بعض الناس على عذاب القبر بقوله: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦) وإنما يعرض أرواحهم على النار فتألمت أجسادهم في القبور لذلك، وكذلك يعرض أرواح أهل الجنة فيتلذد أجسادهم بتلذذ الأرواح بعد أن أحدث فيها الحياة التي تحقق الألم واللذة هذا في القبور، ثم إذا دخلوا النار يكون لهم ما ذكر من العذاب، حيث قال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، واللَّه أعلم.

وجائز أن يكون ما ذكر من العرض على النار قبل القيامة قبل أن يدخلوا النار؛ كقوله - تعالى -: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (٢٥)، يكون عرضهم على النار هو وقت وقفهم للسؤال وحبسهم لذلك، ثم يدخلون النار؛ فيكون لهم العذاب الذي ذكر؛ وهو قول الحسن.

ثم قوله: (غُدُوًّا وَعَشِيًّا).

يحتمل قدر غدو وقدر عشي، فإن كان التأويل في عذاب القبر يحتمل ما قَالَ بَعْضُهُمْ: أن يقال لهم: هذا لكم ما دامت الدنيا.

ويحتمل أنه ذكر على إرادة الغدو والعشي حقيقة ذلك كل وقت، لكن يتجدد التألم

<<  <  ج: ص:  >  >>